للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المباشر وفي رعايته. وهكذا كان المتحف، أو كانت الجامعة الإسكندرية، من بدء إنشائها هيئة حكومية تستمد وجودها مباشرة من الملك، ويستمد كل فرد من أفرادها حريته منه

لم يكن الغرض الذي قصد إليه بطليموس من إنشاء هذا المتحف هو أداء رسالة معينة تصدر عن ذلك المعهد، ولم يكن هو يدري في كثير أو قليل الفرق بين المعهد الذي أنشأه وبين تلك الأكاديميات الأثينية التي ازدهرت في أثينا، وإنما الظاهر للباحث أنه قصد من وراء إنشائه إلى غرض قد يكون سياسياً وقد لا يكون، قصد إلى أن يجعل المدينة التي جعلها الإسكندر عاصمة له مركزاً لحكم العالم الهليني بأسره، فمن أجل هذا كلف سوتر بالاستيلاء على مقدونية، وبفرض سيطرته المطلقة على البحر الأبيض الشرقي؛ ولا شك أن هذه السياسة شبيهة بسياسة التوسع التي جرى عليها الإسكندر مع فرق جوهري هو أن الإسكندر كان يجعل مقدونيا نواة لإمبراطوريته، بينما كان سوتر يرمي إلى جعل مصر التي آلت إليه بعد موت سيده نواة لإمبراطورية بطليموسية

والذي يتأمل في شخصية سوتر لا يرى غرابة في سعة أطماعه التي أصبحت الإسكندرية بحكم الظروف مركزها الطبيعي، لهذا لم يأل سوتر جهداً في توفير مظاهر الأبهة والعظمة لمدينته الخالدة، وإذا فقد كان الغرض الأول والأخير من إنشاء المتحف هو أن يجمع في الإسكندرية جمهرة من العلماء تفكر، وتحاضر، وتكلف بالبحث، امتازت بتفوقها العلمي والأدبي لأنها كانت جمهرة منتقاة ابتغاء التشبه بأثينا وعلمائها، أثينا عاصمة العام الهليني ومستودع علمه. . وبهذا تكون رغبات سوتر منحصرة في أن يسلب مقدونيا نفوذها السياسي ليتركز في مصر، وأثينا نفوذها العلمي ليستقر في الإسكندرية

وكانت هذه الجمهرة من العلماء تسكن المتحف، تحت إشراف رئيس ديني يعينه الملك من الكهنة، ويجدر أن نذكر هنا أنه لم يكن مصرياً كمعظم هيئة المتحف، وقد كانت مهمته قاصرة على رعاية المتحف رعاية دينية، وهو تقليد جامعي نقلته جامعة الإسكندرية عن جامعة أثينا بشيء من الاختلاف، إذا كان راعي الأكاديمية الأثينية ينتخب انتخاباً. أما راعي جامعة الإسكندرية فقد كان يعين تعييناً لمدة تطول وتقصر تبعاً للإرادة الملكية

ولما أن استطاع سوتر أن يجعل للإسكندرية مكانة سياسية ممتازة، وتمكن في الوقت نفسه أن يحيطها بجو علمي خاص، أمها الطلاب من جميع أنواع العالم الهليني يطلبون العلم

<<  <  ج:
ص:  >  >>