. . . . . . . . . . . . . . ... رقبي الهلال على ديباجة العام
هنا لا يمكنني أن أقول إنني لا أفهم (دمع الأقلام ولا ديباجة العام) - فان تأنيب الأستاذ في مثل هذه المواقف لا زلت أذكره ولا يزال يرهبني - وإنما تخلصاً من هذا المأزق أقول إن الأستاذ يتصرف في المعاني تصرفاً قياسياً، فهو يقول:(دمع الأقلام وديباجة العام) وأنا أطأطئ رأسي خاشعاً لهذه البلاغة العميقة فهي ليست على قياس (جناح الذل وماء الملام) فحسب، بل هي أبلغ من هذا وأسمى. على أنه في نفس الوقت كان يقصد (بديباجة العام) - ديباجة الشهر، ولكن استلزمته القافية لأن يخلق هلالاً سنوياً على رأس أهلة الشهور الاثني عشر لا يرقبه سواه
ثم يقول:
أبو الأطباء أودى ليت ناعيه ... لاقى الردى قبل منعاه بارغام
هنا يخيل إليّ أن الأستاذ قد آلى على نفسه إلا أن تكون القصيدة أربعين بيتاً كاملاً، فقد زج بهذه الألفاظ في هذا القالب زجاً - أو أنه قال: أبو الأطباء أودي - وقد تورط فرأى أن يدعو على الناعي الذي لا ذنب له فأتى بباقي البيت التزاماً للقافية - وأما إذا كانت هذه هي سنته في كل مصرع فأولى به أن يدعو على سيدنا أبي بكر الذي نعي موت الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال:(من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت). ثم يقول:
مضى الطبيب الذي للطب من يده ... إحياء أفئدة موتى وأجسام
هنا تأخذني الحدة ولا أذكر ورقة العقاب وأقول (لا حياء في العلم) وأعلن رأيي جهاراً بأن الأستاذ لم يتحفظ في هذا البيت بل كبا كبوة ما لها من مقيل. متى أحيا شاهين باشا الموتى؟ دون هذا وينفق أطباء العالم. ثم لأذكر فضل الأستاذ علي فلا أبارزه بحسامه، ولأهدأ قليلاً ثم أصلح له زلة كم أصلح لي من أمثالها فأقول:
مضى الطبيب الذي للطب من يده ... شفاء أفئدة مرضى وأجسام