ركب أكتافَ هذا العالم الديني ها. ها. ها. ها. . . .
قال صاحب السر: وأدخلتهما على الباشا فوقف المدَّاح يمدح بقصيدته، وأخذت لحيته الوافرة تهتز في إنشاده كأنها مِنفضة ينفض بها المَلل عن عواطف الباشا. وكان للآخر صِمتٌ عاملٌ في نفسه كصمت الطبيعة حين تنفطر البذرةُ في داخلها، إذ كانت الحاجة حاجتَه هو، وإنما جاء بصاحبه رافداً وظهيراً يحمل الشمس والقمر والليث والغيث لتتقلب الأشياء حول الممدوح فيأخذه السحر، فيكون جواب الشمس على هذه اللغة أن تضيء يوم الشيخ، وجواب القمر أن يملأ ظلامه، وجواب الليث أن يفترس عدوَّه، وجواب الغيث أن يهطل على أرضه
والباشا لا يدع ظرفه ودعابته، وكان قد لمح في أشداق العالم المتشاعر أسناناً صناعية، فلما فرغ من نظمه الركيك قال له: يا أستاذ احسبني لا أكون إلا كاذباً إذا قلت لك لا فُضَّ فوك. . .
ثم ذكر الآخر حاجته وهى رجاؤه أن يكون عمدة القرية من ذوي قرابته لا من ذوي عداوته. فقال الباشا: ولقريتكم أيضاً أبو جهل. . . .؟
ولما انصرفا قال لي الباشا: لأمر ما جعل هؤلاء القوم لأنفسهم زياً خاصاً يتميزون به في الناس، كأن الدين بابٌ من التحرف والتصرف، بعض آلته في ثيابه؛ فهؤلاء يسكنون الجبب والقفاطين وكأنها دواوينُهم لا ثيابٌهم. . .
قد أفهم لهذا معنى صحيحاً إذا كان كلُّ رجل منهم محصوراً في واجبات عمله كالجندي في معاني سلاحه، فيكون التعظيم والتوقير لثوب العالم الديني كأداء التحية للثوب العسكري، معناه أن في هذا الثوب عملاً سامياً أوله بيع الروح وبذل النفس وترك الدنيا في سبيل المجتمع؛ هذا الثوب الموت يُفْرَض على الحياة أن تعظّمه وتجله، وثوب الدفاع تجب له الطاعة والانقياد، وثوب القوة ليس له إلا المهابة والإعزاز في الوطن
ولكن ماذا تصنع الجبة اليوم؟ تُطعم صاحبها. . .
أثر الجيش معروف في دفاع الأمم العدوة عن البلاد، فأين أثر جيش العلماء في دفاع المعاني العدوَّة عن أهل البلاد وقد احتلت هذه المعاني وضَربت وتملكت وتركت هذا العالم الديني في ثوبه كالجندي المنهزم يحمل من هزيمته فضيحة ومن ثوبه فضيحة أخرى؟