والحق أقول إنه كان طيباً بارعاً جداً، فإن مرضى العصبي لم يعاودني بعدها أبداً. . والفضل بعد الطبيب هو بلا شك لزوجتي التي حرصت أعظم الحرص على ألا أرى الفرو. .
وأما النوم كيفما أتفق فهذا أشهد أنه صحيح. . وأذكر بسرور أن قطاراً سافرت فيه مرة كان غاصاً بالركاب. وكانت المسافة طويلة والشقة بعيدة تستنفد الليل كله من النوم. ولو كانت الجلسة مريحة لنمت وأنا قاعد، ولكنى كنت كالبلحة في قفة عجوة، فحرت ماذا أصنع. ثم فتقت الضرورة لي حيلة فنحيت الحقائب عن الشبكة الممدودة لها فوق رؤوسنا ورقدت مكانها، ونمت أهنأ نوم إلى الصباح، ولو كنت ضخم الجسم لما تيسر لي ذلك فالحمد لله على الضآلة. .
وأما تكليم الناس على غير معرفة فهذا هو قانون السفر، ولست تحتاج أن يعرفك أحد بأحد في رحلة، وما عليك إلا أن تبدأ من تشاء بالكلام كأنما كنت تعرفه من عهد آدم، ولكن هذا لا يخلو من خطر؛ فقد تقع على ثقيل أو ثرثار فينغص عليك وقتك ويحرمك كل متعة يمكن أن تفوز بها وأقلها متعة الراحة وخلو البال من المنغصات؛ ولكثرة ما أصابني من ذلك صرت أكره السفر بالقطار وأوثر السفر بالسيارة؛ فإذا اضطررت إلى القطار عمدت إلى الحيلة وهي أن أضع حقيبتي في أي مكان حتى يتحرك القطار، ثم أتركها وأذهب أبحث عن مكان آخر أتوسم في أهله الطرف والإيناس، وهذا يتطلب فراسة صادقة، والفراسة استعداد ولكنها تكتسب إلى حد ما بالتجربة
ومن الفوائد المجربة في الأسفار أن يستصحب المرء معه كتاباً في فن الطبخ، ولست أعني أنه قد يحتاج أن يصنع طعامه بيده وإن كان هذا محتملاً، ولكني أقص ما وقع لي في هذا الباب - أو بعضه على الأصح - فقد كنت مرة في فلسطين وكنت ضيفاً على صديق لي، فأصابني برد شديد من كثرة التنقل بين البلاد فوق الجبال بالسيارة في الليل وعاودني مغص الكليتين، فلم يبق بد من الرقاد والحمية وانتظار مشورة الطبيب وإن كنت عارفاً بدائي ودوائه، ومضى يوم ثاني وثالث وطلع الرابع وأنا لا آكل إلا الموصوف من الأطعمة الخفيفة المأمونة، وهذه لا طعم لها ولا لذة لآكلها، وكل طعام يفرض على المريض يكون بغيضاً إليه، فاشتهت نفسي أشياء قالوا لي إنه لا سبيل إليها لأن الطبيب منع أن تقدم إلي،