فاعترضت على هذا وقلت لهم إن الألم قد زال وإن الصحة قد عادت ولله الحمد، وإني أستطيع الآن أن أفعل ما أشاء وآكل ما أحب، فقالوا (حتى يراك الطبيب) فقلت إن هذا طعن في ذمتي لا أقبله ولاسيما في أمر يعنيني وحدي، وأنا على كل حال أدرى من الطبيب بنفسي بل أدري من أطباء الدنيا جميعاً. وهل كان الطبيب قد أحس بالألم حين جاءني المغص. . هل عرف أني ممغوص إلا مني. . إذن انتهينا. . أنا أنبأته أني مريض ولولا ذلك لما عرف. وأنا أيضاً أنبئه أني شفيت وأنه صار من حقي أن أتمتع بمزايا الصحة. . وإذا كان الطبيب قد صدقني في واحدة فيجب حتماً أن تصدقوني في الثانية، فروحوا هاتو كذا وكذا من الآكال، وكيت وكيت من الأشربات. .
فضحكوا وأبوا أن يجيبوني إلى ما طلبت قبل أن يأذن لي الطبيب، فلم يسعني إلا أن أذعن للحرمان - فإني في بلد غير بلدي - ولكني طلبت أن يجيئوني بكتاب في فن الطبخ فاستغربوا وسألوني عما أنوي أن أصنع به فلم أعبأ بهم، فجاؤوني به فقلت لهم:(ألا تستطيعون أن تذهبوا عني إلى حيث تشاؤون فحسبي هذا الكتاب وكفى به أنيساً في وحدتي ومسلياً لي في غربتي)
وفتحته في موضع الفهرس وانتقيت الألوان التي اشتهيها وانطلقت أقرأ بنهم. وصدقوني حين أقول إن ريقي كان يجري وإني كنت أنعم بأقوى من لذة الشره المبطان وأنا أقرأ فيه
(كفتة الدجاج - تسيح الزبدة ويضاف الدقيق ثم اللبن بخفة مع استمرار التقليب حتى يصير المزيج في قوام القشدة، ثم يضاف الملح والبقدونس والفلفل، ثم تغلى مدة ثلاث دقائق، ويضاف لحم الدجاج ويخلط جيداً، ثم يصب هذا فوق طبق مسطح حتى يبرد ويؤخذ من المخلوط بملعقة كبيرة ويوضع في دقيق ويعمل على هيئة كور أو أقراص أو أشكال بيضاوية وتوضع في مكان بارد حتى تتجمد تماماً، ثم تتبل في فتات خبز، وتغطس في بيض مخفوق مخلوط باللبن، ثم في فتات الخبز ثانياً وتقلى في سمن ساخن جداً حتى تحمر ثم تنشف على فرخ ورق غير مصقول. . تنبيه - هذه الكمية تصلح أن يعمل منها أربع عشرة قطعة (ولكني نسيت أن أذكر الكميات والمقادير. . لا بأس. فليس هذا كلاماً عن الطبخ. . ولا عجب أن أذوق بالوهم والخيال مثل لذات الحقيقة فإن هذه حياتنا معشر الأدباء. . وما أكثر ما نترك الحقائق ونروح نجري وراء الظلال! ثم نحاول أن نعزي