لندن لا أتكلم في إلا اللغة العربية فخاف أن نتورط فيما لا يحمد واقترح أن نقتصر على السعي للوصول إلى وستمنستر أبي (من غير أن ننطق كلمة بغير لغتنا. فوافقت وتوكلنا على الله وخرجنا من البيت - هو وزوجته وأنا - وكنا نعرف الطريق ولكنا تجاهلناه، فراقني منظر رجل واقف بجانب حانة ينتظر على الأرجح وقت السماح ببيع الخمر - فإن لذلك وقته المعين حوالي الظهر وفي المساء - فدنوت منه وحييته التحية المصرية - أي برفع يدي ثم مدها إلى يده لمصافحته، وسألته - بالعربية طبعاً - عن وستمنستر، وتعمدت أن أحرفها تحريفاً شديداً فنطقتها (وستمنصته)، وأقول الحق إن الرجل فزع واعتدل بعد الميل ونسي الخمر التي يحلم بها وينتظر أن يسعد باحتسائها؛ فأعدت السؤال برفق فلم يفهم طبعاً على الرغم من صدق رغبته في ذلك، فلما يئس قال تعال معي، وقادني إلى الشرطي وهو شيء ضخم جداً وأنا شيء ضئيل أو كما يقول ابن الرومي:
أنا من خف واستدق فلا يث ... قل أرضاً ولا يسد فضاء
وقال له إن هذا الغريب يبدو لي أنه يسأل عن شيء لا أستطيع أن أتبينه، فمال علي العملاق الإنجليزي وقال يستحثني: نعم؟ فسألته عن (وستمنصته) فجعل يهز رأسه ويستعيدني، وأنا أهز له رأسي أيضاً كأني غير فاهم، وألح في السؤال عن (وستمنصته) فأحس أن في الكلمة شيئاً يمكن أن يهديه إلى مرادي وقال (قل هذا مرة أخرى) ولكني تغابيت وجعلت أتلفت، ثم قلقت وخفت، فقد رأيت صديقي وزوجته قد تركاني وذهبا فوقفا على الرصيف. وليت هذا كل ما حدث. . . إذن لما كان فيه بأس ولكنهما كانا يضحكان حتى لخيل إلي أنهما سيقعان على الأرض. وكان ضحكهما بصوت عال فخفت أن يفطن إلى أن الأمر مزاح فيستثقله أو يعده سخرية منه فتسوء العاقبة، فخففت التحريف فلم يلبث أن فطن إلى مرادي فأستوقفني حتى مرت سيارة أمنيبوس معينة فأمرني أن أصعد وتبعني صديقي وأمر الكمساري أن يأخذ منا الأجر إلى وستمنستر وأن يحرص على أن ينزلنا هناك، فأخرجت نقوداً ومددت بها يدي إلى الكمساري ليأخذ منها ما يشاء لجاجة مني في دعوى الجهل باللغة الإنجليزية. وهكذا كسبت الرهان وفي غير بوليس لندن لا تجد مثل هذا الصبر والرغبة المخلصة في المعاونة. وأذكر مثالاً آخر فأقول إن صديقاً لي أعارني سيارته لأذهب بها من لندن إلى اسكتلندا وأتمتع في طريقي بأجمل ريف في العالم، وهو