للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ريف إنجلترا، وكانت السيارة كبيرة ضخمة ويكفي أنها من طراز (ديملر)، فكنت إذا جاء الليل قبل أن أصل إلى بلد ما وخفت أن أضل، أميل عن الطريق إلى الأرض المعشاب وأتعشى بما أعددت من الطعام، ثم أنام في السيارة إلى الصباح الباكر، فاتفق يوماً أن فرغ البنزين وأنا سائر قبل أن أنتبه، فوقفت مضطراً حيث كنت. ولما كانت السيارة كبيرة وثقيلة فقد عجزت عن تحويلها عن الموضع الذي تشغله من الطريق، فجلست على سلمها وشرعت أدخن حتى يوفقني الله إلى شيء، فمر بي شرطي كان قد فرغ من العمل على ما أخبرني، فهو ماض إلى بيته، فسألني: هل بالسيارة خلل؟ قلت: لا، ولكنها أتت على كل ما في خزانها من الوقود. فقال: انتظر، ومضى عني إلى حقل قريب، وهناك استعار دراجة - بسكليت - ركبها وعاد بها، وما لبث أن رجع حاملاً معه مقدارا كافياً من البنزين وقمعاً لإفراغه في جوف السيارة، فشكرته وقدمت له كأساً من الوسكي الذي معي في السيارة، وبعد قليل حملت القمع والصفيحة معي وذهبت بهما إلى محل البنزين، وكان على مسافة ثلاثة أميال، فرددت الأشياء ودفعت الثمن. ومن الإنصاف أن أقول إنك لا تعدم شرطياً غير إنجليزي يفعل هذا، ولكن هذه الروح في الإنجليزي طباع

وأعود إلى فلسطين فأقول إن في عكة مسجداً كبيراً هو الآن مسجد ومدرسة في آن معاً، وقد بناه - على ما أظن - أحمد الجزار باشا الوالي التركي في ذلك الزمان، وهو رجل مشهور فلا أحتاج أن أحدثكم عنه، ولكني أقول إني وجدت مكتوباً على باب المسجد من الداخل هذا البيت العجيب في مدح الجزار باشا:

(ذاك الوزير الشهم أحمد من غدا ... جزار أعناق العباد كما يجب)

وأظن هذا بيتاً يستحق التدوين. . . .

وفي بغداد دعانا الشيخ ابن معمر - القائم بأعمال المفوضية العربية في العراق إلى أكلة على الطريقة البدوية فاستحسنا ذلك جداً، وآثرناها على وليمة أخرى؛ فلما ذهبنا ألفينا السماط ممدوداً. . . وأصف ما رأيت فأقول إن السجادة غطيت بملاءة بيضاء وضع عليها جفنة ضخمة فوقها صينية عظيمة لا أدري من أين جاءوا بها، وقد قالوا لي إن عندهم ما هو أكبر منها بكثير، وفوق الصينية طشت هائل مليء أرزاً مخلوطاً بالزبيب واللوز والفستق، وعلى الأرز خروف عظيم مشوي - هذا في الوسط، وحول الجفنة وعلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>