فجاوزت الحدود المصرية البحتة إلى إلمامة بالحال عند غيرنا من المعاصرين ومن سبقهم من النابهين الذين يمكن أن يعدوا بحق واضعي أسس فن الكلام القضائي. فإذا فرغنا من ذلك، ولن نطيل فيه، عرضنا لتاريخ لغة القضاء عندنا ماضيها القريب وحاضرها وما ينتظر لها على يد حملة لواء نهضتها الحالية
ولا ننتظر من هذا المقال بحثاً لغوياً عميقاً؛ فليس لنا بذلك طاقة ولا المحل هنا محله. هذا إلى أن نواحي البحث الأخرى أجدى وأنفع. وسوف نعنى بالتفريق بين لغة المرافعات ولغة الأحكام، فإن لكل منهما مميزات تختص بها ونحب التنبيه عليها، ولو أن كلا منهما تلقى في مصر صعوبات مشتركة يجب على العائلة القضائية بأسرها التضافر على مغالبتها وتذليلها
ولنبدأ بهذا قبل أن تنفرج قاعدتا الزاوية بحكم اضطرارنا إلى الفصل بين شقي هذا البحث
متاعب اللغة العربية
المتاعب التي يلقاها المترافعون وصائغو الأحكام على السواء في مصر جزء من متاعب لغة قديمة كريمة نامت نومة أهل الكهف زمناً، ثم أوقظت على حين غفلة لتقف على قدميها دفعة واحدة فتتفهم والنعاس مايزال يغالبها ويعقد أجفانها أحوالاً جديدة ليس لها بها عهد ولا سابق معرفة. أوقظت بشدة ودفعت بعنف لضرورة ملحة لتساير وتلاحق في ميدان لا تحده سوى حدود العقل البشري لغاتٍ وثيقة الصلة بنهضة العلوم التي رفعت أوربا إلى مقامها الممتاز الحالي، وجعلت منها منارة العلم والفلسفة والأدب والتشريع والاختراع. لغات صقلتها قرون متعاقبة عامرة بجهود متواصلة ربطت طارفها بتليدها وهيأتها أداة مرنة صالحة لما يطلب منها في مختلف ميادين النشاط العقلي
وأنت في مصر كاتباً كنت أو أستاذاً في جامعة، محامياً أو قاضياً، مهندساً أو طبيباً، لا تكاد تذكر أمامك اللغة حتى تتجه بفكرك إلى مختلف الصعوبات التي تعانيها إذا طلب منك أن تكتب أو تحاضر في فرعك الخاص. لقد أخذت كما أخذ أفراد هذا الجيل والذي تقدمه العلم عن أوربا؛ أخذته سهلاً ميسوراً بلغة أجنبية لقنتها صغيراً في طرازها الأخير فحصلت بها على أداة دقيقة مطواعة لحاجات العصر قد استوفت دقائقها من مسميات وأفعال وتعبيرات لها دلالتها الخاصة المحدودة. درست بهذه الواسطة في لين وسهولة، ثم إذا بك وقد انتقلت