والنظافة عند المصري القديم ليست الاغتسال بالماء فقط، إذ نرى من صورهم الكثيرة جداً، أنهم كانوا يقصون شعور رؤوسهم، ويقصرونها لتميز رؤوسهم عن رؤوس النساء، ثم كانوا حليقي الوجوه، لا لحى ولاشوارب، ولم يكونوا يكتفون بقصها أوقطعها، ولكنهم كانوا يحلقونها بالأمواس لتكون وجوههم نظيفة خالية المسام، تميزهم عن غيرهم من الشعوب التي كانت ترخي ذقونها وشواربها كشعب فلسطين وشعب ليبيا وغير هؤلاء ممن ظهرت صورهم على الآثار بلحى وشوارب سوداء طويلة. وقد يعجب القارئ إذ يعلم أن المصريين عرفوا أمواس الحلاقة منذ خمسة آلاف عام، لكنها حقيقة خلفوا آثارها لنا، إذ يحوي المتحف المصري طائفة كبيرة من هذه الأمواس مصنوعة صناعة متقنة من شظايا الجرانيت والاردواز والبازلت الصلبة التي تتحمل الترقيق والتشحيذ، وتقاوم استمرار استعمالها في الحلاقة. وإذ نمر بالاغتسال وبالحلاقة بعد الزي، وهي أوليات التواليت، فإننا نصل إلى أقصى مراتب التواليت، وهي ما سميته من قبل (تواليت دي لوكس).
التواليت العالي
لم يكن للرجل العادي نصيب في التواليت العالي، الذي لم يكن يعرفه غير أفراد الطبقة الممتازة. من الملوك والكهنة والوزراء والكتاب والأعيان. هؤلاء كانوا يستمدون من ثروتهم وسلطانهم ما يستطيعون أن يقتنوا به العطور والأدهان يطلون بها أجسامهم كي تطيب رائحتها وينعم جلدها وتبرق بشرتها، فيبدو كل ما فيها من جمال الرجولة وأناقتها. وكانوا يلبسون في أيديهم القفازات، لا يتقون بها البرد، وصدورهم وظهورهم عارية، ولكن ليقبضوا بها على الأقواس ويشدونها حين يطلقون منها السهام، ويكملون بها زينتهم وأناقتهم. ثم يضعون في أقدامهم صنادل أنيقة من الجلد الموشى بالخيوط الذهبية، مبالغة في الأناقة والرفاهية. هذه صورة حقيقية للرجل المصري من الطبقة الممتازة: رجل كامل النمو في جميع أجزاء جسمه، لا يستر منه غير عورته، بسروال قصير من الوسط إلى الركبتين مصنوع من الكتان الأبيض المثني (بليسيه)، يلبس فوق صدره عقوداً وخرزا وفي معصميه أساور من ذهب، حليق الوجه منسق شعر الرأس قصيره، لا يضع على رأسه شيئاً، يلبس قفازا من الجلد وصندلاً من الجلد ويمسك بيده سوطا من الجلد موشى بالذهب