وليس في مرسيليا ما يجذب السائح المتجول من المشاهد الاجتماعية ويترك في نفسه أثراً خاصاً سوى حبها الشهير المسمى (الكانبيير فهو قلبها النابض، يضطرم دائماً بحركة زاخرة مستمرة، وتجتمع فيه أهم مرافقها التجارية؛ وهو ثغرها الباسم، يغص من الجانبين بالمقاهي الأنيقة، ويغدو بالليل قطعة من الأنوار الساطعة، ويؤمه المجتمع الأنيق المرح، وهو أشبه الأحياء بشارع عماد الدين عندنا، بيد أنه أكثر منه ظرفا وبهاء
ومما يجدر ذكره أن هذا الحي الأنيق (الكانبيير) كان منذ عامين مسرحا لفاجعة دموية مروعة اهتزت لها أوربا، وكادت تودي بالسالم الأوربي؛ تلك هي مصرع الملك اسكندر ملك يوجوسلافيا، ومسيو لوي بارتو وزير الخارجية الفرنسية الذي كان يرافقه في العربة الملوكية؛ وقد وقع الحادث على مقربة من ملتقى (الكانبيير) بالميناء القديم؛ ورأت الحكومة الفرنسية أن تخلد ذكرى تلك الفاجعة المرسيلية بإقامة نصب تذكاري إلى جانب المكان الذي وقعت فيه، وقد سطرت في رأسه هذه العبارة:(هنا سقط اسكندر ملك يوجوسلافيا، والرئيس لوي بارتو في سبيل قضية السلام والحرية، في ٩ أكتوبر سنة ١٩٣٤)
أما عن المشاهد الأثرية فليس في مرسيليا منها ما يستحق الذكرى سوى أثرين: الأول في داخلها، وهو قصر لونشان، وهو قطعة بديعة من الفن تزين واجهته نافورة ضخمة رائعة الجمال، وتحيط به حدائق عظيمة، نصبت فيها تماثيل عديدة، رأينا منها تمثالاً لمسترال الشاعر البروفنسي الشهير، وأخر لشاعر الحب والجمال الفونسى دى لامرتين
وأما الأثر الثاني فهو خارج الميناء، في جزيرة صخرية صغيرة، وهو حصن (ايف)(شاتوديف) الشهير
وليس لحصن ايف في ذاته أية أهمية فنية أو أثرية، ولكنه يلفت النظر بقواعده وجدرانه المنيعة التي قدت من الصخر الهائل، والتي يتكسر عليها الموج المزبد
وقد ارتبطت بهذا الحصن الصغير الذي أنشأه فرانسوا الأول في أوائل القرن السادس عشر ليكون سجناً سياسياً، ذكريات مروعة، مازالت أوكاره المظلمة الضيقة تحمل أثارها؛ ذلك أن هذه الأوكار السحيقة التي لا يكاد يدخلها شيء من الهواء أو الضوء كانت مثوى لطائفة من أكابر الزعماء والساسة، منهم (ذو القناع الحديدي) الشهير الذي ماسزالت شخصيته