تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب
فقيل: تخلد نفس المرء باقية ... وقيل: تشرك جسم المرء في العطب
مذهب من يقول بالنفس الناطقة. ويتشعب بعضه إلى قول الحشيشية، والإنسان إذا خلع ربقة الإسلام من عنقه وأسلمه الله عز وجل إلى حوله وقوته وجد في الضلالات مجالاً واسعاً، وفي البدع والجهالات مناديح وفسحاً.) اهـ
فأبو الطيب في رأى هذا الفاضل: سوفسطائي، تناسخي قضائي شيعي حشيشي. . مجموعة مذاهب لو فُرقت على مملكة عريضة لخربتها في يومين؛ فما الحال إذا اضطلع بها كلها قلب رجل واحد؟
على أن الشواهد التي استند إليها في أحكامه هذه لا تحمل ما حمّلها: فالشاهد الثاني (تمتع من سهاد. . البيت) ليس فيه ما يصرح بالتناسخ. وقوله: (فإن يكن المهدي. . .) يخرجه من الشيعية إخراجاً، لأنه شك في المهدي أول البيت، ثم جعل ممدوحه هو المهدي إن كان هناك مهدي، ثم ختم البيت بهذا الاستفهام التهكمي: ما المهدي!!؟
وإن دل الشاهد الأخير (تخالف الناس. . البيتين) على شيء فعلى تردد أبي الطيب بين القولين وعلى شكه وحيْرته بدليل البيت الذي بعدهما:
ومن تفكر في الدنيا ومهجته ... أقامه الفكر بين العجز والتعب
والذي استفدناه من كل ذلك أن المتنبي وقع في حداثته إلى رجل من المتفلسفة فهوّسه وأضله، والظاهر أن أثر هذا الأستاذ كان في أبي الطيب بالغاً، فقد بقي ضعف العقيدة وعدم الاعتداد بآداب الدين ملازماً أبا الطيب حتى مات
ومهما يكن فقد ألم المتنبي بكثير من النحل الشائعة في عصره دون اعتقاده بواحدة ما. وذكر بعضها في شعره منزّلة خير تنزيل: مدح طاهراً العلوي مرة فقال:
إذا علوي لم يكن مثل طاهر ... فما هو إلا حجة للنواصب
والنواصب الخوارج الذين نصبوا العداء لعلي
وذكر المانوية أصحاب الاثنين الزاعمين أن الخير كله من النور وأن الشر كله من الظلام فقال:
وكم لظلام الليل عندك من يد ... تخبّر أن المانوية تكذب