يأيها الملك المصفى جوهراً ... من ذات ذي الملكوت أسمى من سما
نور تظاهر فيك لا هو تِيُّهُ ... فتكاد تعلم علم ما لن يعلما
وهو حيناً كالمسيح (ما مقامي بأرض نخلة. . . البيت)
وحيناً كصالح (أنا في أمة. . . البيت) ولا يخجل بعد هذا الادعاء أن يضرع إلى من سجنه بهذه العبودية:
أمالك رق ومن شأنه ... هبات اللجين وعتق العبيد
هو من حداثته مهوس مضلل لم يستنر قلبه بنور عقيدة، ولا شعر صدره ببرد يقين. فلم ينشأ تنشئة دينية في صباه، ثم طرح إلى هموم الحياة وأتعابها فاضطر إلى التكسب بالمدح من صغره، وشغل عن عبادة الله والتدين بعبادة الناس والمال لهذا السبب، لا (لأنه صاحب مطامع دنيوية وعقل موكل بالأعمال والوقائع لا بالعقائد والعادات) فليس هناك تناف بين التوكيل بالأعمال والتدين، ولم يخل المتدينون يوماً عن مآرب ومطامع في هذه الحياة
وهذا وليس للمتنبي فلسفة إلهية حتى نقول إنه استهان بالدين تفلسفا؛ وليس لعقله ما لعقل أبي العلاء من مواهب تؤهل صاحبها للنظر والحكم في المقالات والمذاهب، بل هو في هذا الاستخفاف الذي نم عليه شعره لا يترفع كثيراً عما نرى عليه بعض العامة المستخفين
كان إلى جانب المحن والثورات الداخلية التي منى بها المسلمون في القرن الرابع غارات أجنبية متواصلة تشن على ثغور المسلمين؛ وكان أمراء العرب في تأهب مستمر لرد هذه الغارات فيظفرون تارة وتارة يغلبون، وسيف الدولة أحد هؤلاء الأمراء الذين أصلوا الروم بنيرانهم وشغلوا برد غاراتهم
ونزعة الحروب في الشرق - قديما وحديثا - دينية أبداً ما تغيرت يوما من الأيام، إلا أن الروم كانوا في القرن الرابع الهجري صريحين، لم يهتدوا بعد إلى هذا الطلاء الكاذب الذي أسموه تمدينا بعد عشرة قرون
وشاعرنا أبو الطيب شارك سيف الدولة في جهاده الديني فقاتل بجسمه وتعرض للخطر، وناضل بلسانه. وفي شعره من مواطن الغيرة على الدين وأهله من تسلط الروم ما يحمل المنصف على عدها في حسناته، كان يرى هذه الحروب كما كان يراها غيره من أهل زمانه وكما هي في الواقع - دينية لا قومية، وهذ١ هو الفارق بينها وبين حروب سيف