الدولة مع خصومه من الأمراء. فكانت قصائد أبي الطيب التي يصف فيها هذه الحروب تطفح بالحمية الدينية والنزعة الإسلامية، فهو يثني على سيف الدولة الذي هزم الدمستق وأنقذ المسلمين من إكراه الروم لهم على الردة فيقول:
فخرُّوا لخالقهم سجداً ... ولو لم تغث سجدوا للصُلُب
ولم تعجبه هدنتهم مع الروم فقرعهم ومدح سيف الدولة لتدينه فقال:
أرى المسلمين مع المشرك ... ين فإما لعجز وإما رهب
وأنت مع الله في جانب ... قليل الرقاد كثير التعب
ومن هنا تلقيبه سيف الدولة بسيف الرب وسيف الدين في أقواله:
أيا سيف ربك لا خلقه ... ويا ذا المكارم لا ذا الشطب
يا سيف دولة دين الله دم أبدا ... وعش برغم الأعادي عيشة رغدا
يا سيف دولة ذي الجلال ومن له ... خير الخلائف والأنام سميا
خضعت لمنصلك المناصل عنوة ... وأذل دينك سائر الأديان
ونعته بنفرته الشديدة من الردة وتعلقه بالإسلام فقال:
كأن سخاءك الإسلام تخشى ... إذا ما صلت عاقبة ارتداد
وهو رجاء الإسلام والموقي من الرحمن ونصير التوحيد:
ولست مليكا هازماً لنظيره ... ولكنك التوحيد للشرك هازم
هنيئاً لضرب الهام والمجد والعلا ... وراجيك والإسلام أنك سالم
ولمْ لا يقي الرحمن حديك ما وقى ... وتفليقه هامَ العدا بك دائم
أبو الطيب يذهب أبعد من هذا: لا يكتفي باستنكار سلطان الروم على قومه، بل يأنف لهم أن يحكمهم مثل كافور، وإن كان مسلماً مثلهم، ولا يرضيه سكوت الناس عليه؛ ويغضبه أن يعظموه فيصرخ فيهم هذه الصرخة ويعرض بأم كافور:
نُوَببيّة لم تدر أن بنيها ال ... نوبي دون الله يعبد في مصر
ثم يرسلها ملعلعة تتنزى بالألم والحسرة والأسف على ما صار إليه الإسلام فيقول:
سادات كل أناس من نفوسهم ... وسادة المسلمين الأعبد القزم
رحم الله أبا الطيب! ما تراه كان قائلاً لو بُعث اليوم فشاهد ما نشاهد! إذن لرأى هؤلاء