الأعبد القزم شرفاء قياساً إلى غيرهم، بل أنبياء
لصاحبنا إزاء ما تقدم من أبيات يأباها الدين والعقل، أبيات أخرى هي من صميم الدين وروحه، يتقاضاني الإنصاف ذكر شيء منها كما ذكرت تلك، فقد نص في بعضها على أنه لا يخضع لمخلوق أبداً
تغرب لا مستعظماً غير نفسه ... ولا قابلاً إلا لخالقه حكما
وقد جعله أبو العلاء بهذا البيت من المتألهين. ويعترف بتصرف الله المطلق في الكون:
ألا إنما كانت وفاة محمد ... دليلاً على أن ليس لله غالب
وأن الله هو الملحوظ في كل فعل وحركة:
فأنت حسام الملك والله ضارب ... وأنت لواء الدين والله عاقد
وهذا البيت ينظر إلى قول الله مخاطباً نبيه: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) وهو يجعل شكر الله واجباً في دوام النعمة حين قال في ممدوحه:
مقلداً فوق شكر الله ذا شطب ... لا تستدام بأمضى منهما النعم
وكما أبى قبول الحكم من غير خالقه أبى الشكوى إلى الناس وهذا غاية ما يأخذ به الموحد نفسه:
ولا تَشَكّ إلى خلق فتشمته ... شكوى الجريح إلى الغربان والرخم
ولنذكر أن صاحب دمشق وكان يهودياً يعرف بابن ملك حمل المتنبي على مدحه فأبى أنفة، وكذلك فعل مع ابن كيغلغ وكان رومياً
هذا ما رأيت في شعر أبي الطيب من تعلق بالدين سلباً أو إيجاباً، ذكرته على حقه بحرية وصراحة. أما سيرته العملية فقد ذكروا له أخلاقاً يحمده عليها الدين وهي عفة المذهب والصدق. وقد كان المتنبي - كما ذكروا - لم يؤثر عنه فسوق قط. وقوله
إني على شغفي بما في خمرها ... لأعف عما في سراويلاتها. . الخ
صحيح كل الصحة في الدلالة على عفته، فقد أيدته سيرته طول حياته. وكذلك في التزامه جانب الصدق:
ومن هوى الصدق في نفسي وعادته ... رغبت عن شعر في الرأس مكذوب
ثم ذكروا له خلالاً ثلاثاً دلت على أن الرجل لم يأخذ نفسه بشيء من التكاليف الشرعية، أي