(بلوت من أبي الطيب ثلاث خلال محمودة: هي أنه ما كذب ولا زنى ولا لاط، وبلوت منه ثلاث خلال مذمومة وهي أنه ما صام ولا صلى ولا قرأ القرآن.)
فإذا أضفت إلى ذلك ما تعرف في سيرته من البخل والتعاظم وسلاطة اللسان، وأن له في القذف فحشاً ما عرف أقبح منه ولا أدنس، استقام لك من كل ما قدمت رأي لعله أن يكون أقرب الآراء من صواب
وأنا لست أقول فيه ما قالوا من أنه:(خبيث الاعتقاد قد خلع ربقة الإسلام) ولا أتكلف له التأويل والمحال، فقد قدمت الإشارة إلى بطلان المذهبين معاً
ولكني ألاحظ أنه شاعر، والشاعر كثيراً ما يبيع دينه بدنيا غيره، فإن خرج على الإسلام في غلوه فما قصد إلى هذا الخروج قصداً، وإنما أراد الزلفى عند الممدوح، فأداه الغلو إلى الخروج
وليس من الحق أن نحكم على آخرة رجل بنزوة كانت منه في الحداثة، أو حماقات صدرت في فترات من حياته. ومن ذا زعم أن أبا الطيب كان يعتقدها اعتقاداً حتى نجعله بها صاحب مذهب في الدين، وقد علمنا أن عقله لم يفرغ لهذا قط؛ فمن سره أن يجر النوابغ المشهورين إلى طائفة بالسلاسل والأغلال، يكثر بهم سوادها فما أراني مضطراً إلى شيء من هذا، وقد فرغ أهل البصر من هلهلة هذه الطريقة التي سلكها بعض المؤلفين الحديثين في كتب التراجم جهلاً وعصبية، فما هي إلى علم ولا إلى أمانة. والحكم على دين رجل أبعد منالا من أن يكتفي فيه بورود اسم هذا الدين في كلامه، فما بالك إن كان ذكره له مجاراة أو حكاية أو ردا أو شتيمة؟
وقد ذكر المتنبي في شعره هذه الديانات: المانوية، المجوس، اليهود، النصارى. . . الخ أفيستقيم في هذا الزمان أن ينهض منتسب إلى العلم فيعد أبا الطيب مانوياً أو مجوسياً؟
إن العلم والأدب أمانة، فلينظر قارئ في كتاب ما ترك مؤلفه من عقله وأمانته وما أخذ
أما أنا فأستطيع الآن بعد ما قدمت من بحث تحريت فيه بجهدي، ودعمته بما رأيت من برهان أن أرسل كلمتي مطمئناً في دين أبى الطيب فأقول:
آمن لسانه وتخلف عمله، ولم يكن الدين همه يوما من الأيام