خذ مثلاً كلمتي فقد حار صديقنا القاضي مصطفى مرعي وهو الفصيح المفوه في ترجمتها ولم يوفق بعد طول الجهاد لغير (المسئولية التقصيرية)، وقد يقول سواه (المسئولية الخطئية). وكلا التعبيرين قاصر في نظري عن تأدية كل المعنى المنطوي في العبارة الفرنسية.
وإن أنس لا أنس ما لاقيته وأنا أحاول تأدية معنى في مذكرة قدمتها لمحكمة النقض عن الشروط الواجب توفرها في جريمة شهادة الزور. بماذا أعبر عن هذا الركن من أركان الجريمة؟ إن قلت:(دعوى مربوطة) وهي الترجمة الحرفية للفظ الفرنسي كانت ترجمة سقيمة باردة. وإن قلت:(دعوى معلقة) انصرفت الصيغة إلى معنى آخر. وأخيراً استخرت الله فقلت:(دعوى قائمة) وأنا لا أدري أأديت أم لم أؤد؟
على أن هذا الذي حار فيه عجزي قد استقام لمحكمة النقض برياسة إمام اللغة القضائية العصرية عبد العزيز باشا فهمي، فقد صدر حكمها مقرراً أن لا شهادة زور حتى تؤدى في دعوى (مرددة) بين خصمين، وهو تعبير بارع دقيق، لم يكن في ميسور غير الضليع المتفقه في اللغة العثور عليه.
ولنقف عند هذا الحد من الكلام على مشاق الناطقين بالضاد في عصر اللاسلكي والكهرباء، فقد ساقتنا المناسبة إلى أبعد مما نريد؛ ولنقصد رأساً إلى لغة المرافعات، كيف كانت، وكيف يجب أن تكون، ثم نعقب على ذلك ببحث موجز في لغة الأحكام.
لغة المرافعات
ضرورة البلاغة في إظهار الحق
اتفق الناس من قديم على أن البلاغة صفة لازمة لمن جعل الدفاع عن حقوق الناس مهنته، تواضعوا على وجوب أن يكون المحامي فصيح اللسان، بالغ الأثر بكلامه، متلاعباً بالعقول والقلوب؛ وما يزال الإجماع على لزوم توفر هذه الصفات واقعاً.
ولكن لماذا؟
أليس الحق هو بغية المترافعين عن الحق؟ أوليس الحق حقاً بذاته؟ أيوجد أوضح