وكان الجيش مهد هذه القوى الرجعية التي تناصرها فلول الملوكية الذاهبة؛ وقد دبر فلول الملوكية وفلول النظام القديم في الأعوام الأخيرة عدة محاولات ومؤامرات لإسقاط النظام الجمهوري، ولكنها فشلت جميعاً، لأنها كانت محاولات محلية لا تؤيدها قوة عامة. على أن روح التبرم والسخط كانت تضطرم دائماً في معظم وحدات الجيش؛ ولم ينس زعماء العسكرية أنهم تمتعوا بسلطان الحكم في عهد الطغيان العسكري، وأن قيام الحكومة الجمهورية إنما هو قضاء على سلطانهم ونفوذهم؛ ورأوا من جهة أخرى ما يشجع آمالهم ومشاريعهم في عجز الحكومة الشعبية، وتوالي الاضطرابات العامة، وسأم الشعب من هذه الفوضى التي يذكيها تفاقم الأزمة الاقتصادية، وتوالي الاعتصابات.
وقد ألفت العناصر العسكرية الناقمة فرصتها في الاضطرابات والاعتصابات الأخيرة التي دبرها الشيوعيون بالأخص، والتي ما زالت منذ أسابيع تزعج حكومة مدريد وتستنفد اهتمامها وقواها، فأعلنت خروجها على الحكومة، واتخذت (تيطوان) عاصمة مراكش الأسبانية قاعدة لها؛ وقد كانت مراكش الأسبانية وما زالت معقل العسكرية المتمردة؛ بيد أن زعماء الثورة كانوا قد اتخذوا أهبتهم في كثير من القواعد الأسبانية في الشمال والجنوب حيث تحتشد العناصر المعارضة لحكومة مدريد؛ وكان إعلان الثورة في الثامن عشر من يوليه في منطقة الحماية الأسبانية، حيث أعلن زعيم الثورة الجنرال فرانكو ثورة الجيش على حكومة الجمهورية، ووجوب تخليها عن الحكم. وفي الحال اجتازت عدة فرق من جيش مراكش البحر إلى الشاطئ الأسباني من جهة الجزيرة ومالقة. ولم تكن حكومة مدريد جاهلة بالأمر، بيد أنها اضطربت لقيام الثورة في عدة مناطق دفعة واحدة، وزاد في اضطرابها أن الوحدات البحرية والجوية التي سيرتها لمقاتلة الثائرين، وإطلاق قنابلها على تيطوان، انضم معظمها إلى الجيش الثائر.
وفي الحال اتسع نطاق الثورة، وانضمت حاميات الشمال في ولايات ليون وأراجون وجليقية إلى جانب الثورة؛ واخترق الجيش الثائر ولايات الجنوب بسرعة، واستولى على قواعد الأندلس: قادس وغرناطة وأشبيلية؛ واتخذ أشبيلية قاعدة للزحف على مدريد، وأعلنت القيادة الثائرة سقوط حكومة مدريد، وقيام حكومة أسبانية جديدة في الأندلس.