أما حكومة مدريد فلم تر أمامها بعد الذي رأته من تمرد القوى النظامية سوى الاعتماد على التجنيد العام. ولنلاحظ أنه في خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة الأولى من قيام الثورة تعاقبت ثلاث وزارات في مدريد ولم تمكث إحداها سوى أربع ساعات، واستقال رئيس الجمهورية السنيور أزانا؛ وفي الحال حشدت حكومة مدريد قوات جديدة من بين العمال والطوائف الموالية لها وهي التي تجتمع حول الجبهة الاشتراكية، وسيرتها لمقاتلة الثوار في الشمال والجنوب مع بعض القوات النظامية التي لبثت موالية لها. ومنذ أكثر من أسبوعين تضطرم أسبانيا بسلسلة لا نهاية لها من المعارك الدموية، وتقول الحكومة في بلاغاتها دائما إنها تقبض على ناصية الموقف وإنها دحرت الثائرين حيثما دارت رحى الحرب الأهلية. وتذيع القيادة الثائرة من محطات الإذاعة اللاسلكية في أشبيلية أنها دحرت قوى الحكومة، والأنباء المتضاربة تتوالى من الجانبين، بيد أنه يلوح من سير الحوادث والظروف أن جيش الثورة إذا استثنينا منطقة قطلونية الاشتراكية حيث دحرت العناصر الثائرة، يتقدم في معظم المناطق بسرعة؛ وقد أشرفت القوات الثائرة على مقربة من مدريد ونشبت بينها وبين قوات الحكومة معركة هائلة في (وادي راما) يقال إن الخسائر فيها بلغت من الجانبين زهاء عشرين ألفاً؛ والخسائر فادحة في جميع المناطق على وجه العموم، وخصوصاً في القوات غير النظامية التي حشدتها الحكومة من طوائف لا خبرة لها بالقتال. بيد أن قوات الحكومة استطاعت أن تقف زحف الثوار في الشمال. وأما في منطقة مدريد، فلا تزال المعارك دائرة حتى كتابة هذه السطور؛ والظاهر أن قوات الحكومة استطاعت أن تصمد في وجه الثائرين، لأن زعماء الثورة يقولون إنهم يعتمدون في سقوط مدريد على الحصار وقطع مواصلاتها حتى تضطر إلى التسليم جوعاً.
ويقول زعيم الثورة الجنرال فرانكو، إن الثورة ترمي إلى إنقاذ أسبانيا من براثن الشيوعية وانتشالها من تلك الهوة السحيقة التي تتردى فيها مذ غلبت عليها أحزاب اليسار واستولت على مقاليد الحكم، وإن الروح الثورية قد أضرمت في الشعب واستغلت لجانب الشيوعية، وإن الجيش لا يستطيع صبراً على تلك الحال المخزية التي تبدو بها أسبانيا أمام العالم، وإنهم قد اعتزموا إنقاذ أسبانيا من قبضة أعدائها الذين كادوا أن يقضوا على كيانها الاقتصادي. ويقول في بلاغه الذي أصدره إلى الجيش: (إن الاعتصابات الثورية تشب من