- ٦ -
وشعر أبي الطيب تتجلى فيه قوة البداوة وعزتها. ومن آثار البداوة فيه تهاونه في خطاب الممدوحين. وخروجه عن الألف أحياناً. ولذلك أخذ عليه النقاد مآخذ لا يتسع المقام لذكرها.
ومن أثارها كذلك الكلف بالحرب وآلاتها والخيل، والسفر. وشعره مليء بهذا.
ومن ذلك وصفه الحبيبة بالمنعة كقوله:
حبيب كأن الحسن كان يحبه ... فآثره أو جار في الحسن قاسمه
تحول رماح الحظ دون سبائه ... وتُسبي له من كل حيّ كرائمه
ويُضحي غبار الخيل أدنى ستوره ... وآخرها نشر الكباء الملازمه
وما شرقي بالماء إلا تذكراً ... لماء به أهل الحبيب نزول
يحرّمه لمع الأسنة فوقه ... فليس لظمآن إليه وصول
متى تزر قوم من تهوى زيارتها ... لا يتحفوك بغير البيض والأسل
سوائر ربما سارت هوادجها ... منيعة بين مطعون ومضروب
وربما وخدت أيدي المطيّ بها ... على نجيع من الفرسان مصبوب
ومن أثر البداوة استعماله بعض الألفاظ الغريبة أحياناً، بما ألِف من خطاب الأعراب والأخذ عنهم.
وقد رأيته في كثير من تعليقاته على ديوانه يحتج بما سمع عنهم، واكتفي هنا بمثال واحد:
قال في قصيدة يعزي بها عضد الدولة:
مثلك يُثنى الحزن عن صوبه ... ويستردّ الدمع من غربه
أيما لأبقاء على فضله ... أيما لتسليم إلى ربه
ثم أتى بشواهد على وضع العرب أيما مكان إمّا إلى أن قال:
وقد ظلع فرس لي فقال فلان الأعرابي وكان من أفصح الناس:
أيما نسره مفلوق، وأيما موهوص
- ٧ -
ذلكم إجمال الكلام في بداوة أبي الطيب.