يسائله القديس عن الفضيلة فيجيب دانتي إجابات ناصعة. وينظر الشاعر فيشدهه أن يرى أبانا آدم، فيتأدب ويتقدم إليه، فيخبره أبو البشر عن كيفية خلقه وإقامته في الفردوس ومدى إقامته فيه، ثم ما تلا ذلك من خروجه منه وسببه، ثم عوده إليه، ويتظرف فيذكر له أسم اللسان الذي كان يتكلم به في بدء الخليقة ويعود القديس بطرس فيصل حديثه، ويحمل على خلفه حملة شعواء لما اتصفوا به من جشع ذهب برواء الأبرشية الرسولية، وينسى دانتي فيحدق نظره في بياتريس غافلاً عما أوصته به في أول الرحلة إلى الفردوس فتأمره أن يغضي. . . . فيفعل. . . . ثم يعرجان إلى السماء التاسعة حيث يطلعان على الحق الجلي من أمر هذا الخلق، وحيث يشهدان فطرة الطبيعة في جماع فضائلها، وتسخط بياتريس على الإنسان (ما أكفره. . . يكون أمامه الخير بيّنا والشر بيّنا، ثم يدلف بعلمه في طريق الشر، مضحياً هذا الفردوس من أجل هنات هينات)(٢٨) ويؤذن لدانتي فيطلع إلى الوجود الإلهي، ثم يطلع إلى الخورس الملائكي يرسل ألحانه الكنائسية الرائعة في قبة الفردوس. (٢٩) وتنظر بياتريس في مرآة الحق الإلهي (هكذا) فترى أن بضعة شكوك قد نفذت إلى فؤاد دانتي وظلت ثمة تساوره، فتضاحكه، ثم تفجأه بما يفكر فيه، وتجلو له ما نفذ إلى قلبه من ذلك الوسواس، وتذهب في القول مذاهب شتى، وتنتهي إلى ذم رجال الدين الذين شغلتهم الدنيا عن نصرة الإنجيل. (٣٠) ثم يدخلان سماء المنتهى ذات السناء الساطع والضوء اللامع، ويكاد نظره ينبهر لولا أن تدركه بياتريس. . . ويرى إلى نهر الضوء المتألق فينظر كيف ينتصر الملائك على شرور العالم وكيف ينتصر معهم المؤمنون المباركون. (٣١) ويتلفت الشاعر فلا يجد فتاته إلى جانبه، بل يجد مكانها رجلاً طاعناً في السن إذا تفرس فيه عرف فيه القديس برنارد الذي يخبره أن بياتريس قد عادت إلى عرشها ثم يريه بركات العذراء مريم عليها السلام (٣٢) ثم يريه كذلك أرواح القديسين الذين وردت أسماؤهم في العهدين (الجديد والقديم)(٣٣) ثم يدلف القديس برنارد نحو البتول الكريمة فيرجوها أن تمنح بركتها لدانتي وتسبغ عليه من نورانيتها حتى يستطيع التأمل في عظمة الله. وتهب له مريم ما سأل، فينكشف الغطاء ويلقى دانتي ربه فيصلي له ويضرع إليه أن يهبه إشراقة يضفيها على كتاباته وأشعاره. ثم يؤذن له فيخطف لمحة من الثالوث المبارك العظيم الذي يتحد فيه الله القدير (جل وتعالى) بالإنسان.