وكل من الحكومات التي رآها المجلس الأخير لم تكن متجانسة، ولم تكن لها قوة حيوية كافية تستطيع بها مجابهة الصعوبات التي وقعت فيها فرنسا طيلة السنين الأربع الأخيرة. لأن الاشتراكيين لم يشتركوا عملياً في حكومات (الائتلاف)، ولم يأخذوا على عاتقهم أية مسؤولية؛ ولهذا كانت الحكومة (مشلولة) إذ وجب عليها مراضاة الحزب الاشتراكي كيما تحتفظ بثقته؛ وذلك لم يمكن الراديكاليين من تطبيق منهاجهم، والسير إلى الأمام غير ناظرين إلى مراضاة الخواطر. . . ولأنه لا يمكن لأي حكومة (اتحاد قومي) أن تضع منهاجاً فعالاً يرضى عنه جميع الأحزاب الذين يعاضدون الحكومة. فالسياسة الخارجية التي يريد تطبيقها أحزاب اليمين لا يرضى عنها الحزب الراديكالي، وسياسة الحزب الراديكالي لا يقبلها أحزاب اليمين. وفي الواقع فإن هذا النوع من الحكومة ما وجد إلا لظروف خاصة، ومتى ذهبت هذه الظروف تصدع الاتحاد، واتفق الراديكاليون مع الاشتراكيين، ودارت المعركة بين أحزاب اليسار وأحزاب اليمين. ولا غرابة في ذلك إذ الذي يبعد الراديكاليين عن الاشتراكيين هو اختلاف في السياسة الاقتصادية، أما الذي يبعدهم عن المعتدلين فهو الاختلاف على المبدأ إذ أن الراديكاليون يدينون بالنظام البرلماني، الذي دونه يصبحون لا شيء وهم متعلقون بجمعية الأمم التي هي تطبيق المبادئ الجمهورية في (الدائرة الدولية). وعلى عكس ذلك فإن كثيراً من المعتدلين يتساهلون في وجود الجمهورية دون أن يحبذوها ويدينوا بمبادئها، وهم يحكمون على مبادئ عصبة الأمم ويعتبرونها أكبر عامل على تعكير صفو السلام. . .
- ٢ -
فالأزمات الوزارية الحادة التي حدثت خلال السنين الأربع الأخيرة، والأزمة الاقتصادية العظيمة التي جابهتها فرنسا ابتداء من عام ١٩٣٢، والتضارب في السياسة الخارجية التي تولدت بين سياسة الحكومات الائتلافية وحكومات الاتحاد القومي. . . أدى إلى عدم رضى الشعب الفرنسي عن مجلس النواب السابق فأرسل في ٢٦ أبريل و٣ مارس أكثرية جديدة.
ولنلق بادئ الأمر نظرة عامة على انتخابات الدورة الأولى فنرى أن الذين فازوا فوزاً باهراً فيها هما طرفا مجلس النواب أي الشيوعيين والاتحاد الاشتراكي من جهة، والاتحاد