وجدت منه إلا إنكاراً وجحوداً، وجفاءً وصدوداً. ولما رجعت من عنده بخيبة الرجاء، واليأس من الوفاء، اندفعتُ أهدده وأتوعده برفع الأمر إلى القضاء. فأجابني بقوله:(وهل تحت يدك صك بهذا الدين؟). طار رأسي، وذهبت نفسي شعاعاً، وأحسست كأن الدنيا تضيق بي حتى لا تتسع إلا لعنقي تعصره عصراً، وما وجدت ما أدفع به قحته وإنكاره. لذلك جئت إليك بجملة من أوراق المرحوم لعلك واجد فيها صكاً أو سجلاً بهذا الدين أو ما يغني عن الصك والسجل. أرأيت خراب الذمم؟ أرأيت قلة الوفاء؟ أرأيت نكث العهود؟ أرأيت إلى الناس لا يستوثقون بالسان الحي الذي هو من صنع الله، ويستوثقون بالورقة الخرساء التي هي من صنع الإنسان؟ رحماك اللهم رحماك!!).
قلت:(خلي عنك يا أختاه. فلمثل هذا نزلت حدود الله. أما سمعت قوله تعالى (يأيها الذين آمنوا إذا تَدَايَنْتمْ بدين إلى أجَلٍ مُسَمّى فاكْتُبُوهُ، وليَكْتُبْ بينَكُمْ كاتِبٌ بالعَدْلِ، ولا يَأْبَ كاتِبٌ أَن يَكتُبَ كما عَلَّمهُ الله، فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِل الّذي عليه الحقّ وليَتَّق الله رَبَّه ولا يَبْخَس منه شيئاً.).
قالت:(سبحان الله العظيم! هذا كلام أزلي قديم وكأنما نزل لأهل هذا العهد الحديث، بل لكأنما نزلت هذه الآية لتكون فيصلاً بيني وبين هذا المدين.).
قلت:(وفي هذا وفي مثل هذا تجدين إعجاز القرآن الحكيم).
ودفعت إلي بالأوراق فنشرتها ونظرت فيها ورقة ورقة وهي مطرقة مغرقة في التفكير. وما انتهيت منها إلى ورقة أطلت فيها النظر حتى رفعت رأسها عن يدها ونظرت إلي متلهفة وقالت:(أوجدت الصك؟).
قلت:(لا. ولكني وجدت ورقة لعلها من مذكرات زوجك رحمه الله - وبودي أن أقرأها لك فستجدين في سماعها عزاء وروحاً. وستجدين زوجك فيها يتحدث إلى نفسه بخواطره ولكنه يسوق إليك وإلى ابنتك الحديث).
قالت:(اقرأ). . . . فقرأت:
(ما أسعد الإنسان المطمئن! وما أحلى الطمأنينة في كل شيء، هذه هي السعادة حقاً، وما أشقى الإنسان الحائر المضطرب! وما أمر الحيرة والاضطراب في أي شأن من شؤون الحياة! هذا هو الشقاء بعينه، ولست أدري لم حار الفلاسفة والمفكرون في تعريف السعادة