واختلفوا، وما لهم لا يقولون إن السعادة هي الطمأنينة، وما لهم لا يستقرون إلى أن الطمأنينة والسعادة مترادفان بفهم من أحدهما ما يفهم من الآخر؟. أغلب ظني أن الفلاسفة والمفكرين يتسامون في التفكير ويحلقون في أجواء البحث فتدق عن أبصارهم هذه الحقائق البسيطة. السعادة هي الطمأنينة والشقاء هو الفزع.
هاأنذا أخرج من بيتي صباحاً أعدو إلى عملي ثم أروح وقد أديت العمل على خير ما يؤدى الواجب ويحمد لي الناس أداءه ويرضى ضميري عن أدائه. فأطمئن ولا يفزعني عن هذه الطمأنينة شيء من الأشياء فلم لا أكون سعيداً؟ ألقى الناس: منهم الصديق ومنهم العدو، ومنهم من لا تربطني به صلة وثيقة، ومنهم الكبير ومنهم الصغير، فيلقاني كل واحد من أولئك باسماً مصافحاً لا يسألني عن شأني ولا أسأله عن شأنه إلا بمقدار ما تدعو إليه العلاقة التي بيننا فلا يكون سؤالي وسؤاله إلا في رفق ولين ورغبة في العون إن كان بي أو به حاجة إلى العون. وإن لا نتساءل عن شيء فما يكون بيني وبينه إلا التحية وردها. فأنا بين هؤلاء وهؤلاء مطمئن وادع لا يفزعني عن طمأنينتي شيء من الأشياء. فلم لا أكون سعيداً؟
وتمضي الأيام والأسابيع والأشهر وما شاء الله من أقسام الزمن وأنا أغدو وأروح بين الناس وأختلف إلى ما يختلفون إليه من شؤون الحياة وأنا واجد في جسمي هذا النشاط وهذه القوة، لا يعوقني في سبيلي مرض ولا تقعدني علة، فأنا مطمئن إلى صحتي ما دمت صحيحاً، ولا يفزعني عن هذه الطمأنينة شيء من الأشياء، فلم لا أكون سعيداً؟
وأخْلاف الرزق في الحياة تصل إلى من طريقي كدي وجهدي وما ترك الوالدون من موارد الرزق للأبناء تصل إليهم في سعة أو في ضيق وأنا بذلك راض وإلى ذلك مطمئن: لا يفزعني عن طمأنينتي شيء من الأشياء. فلم لا أكون سعيداً؟
وأنا في كل يوم من أيام حياتي أؤدي إلى الله وإلى الناس ما يجب علي من الشكر والبر بقدر ما أستطيع وكيفما يجب: لا يصدني عن ذلك صاد ولا يصدف بي عنه صادف، فأنا مطمئن إلى علاقتي بالله وبالناس لا يفزعني عن الطمأنينة مفزع. فلم لا أكون سعيداً؟
أما إذا لقيت في عملي نصباً وعناء، أو أحسست من نفسي بنفسي عجزاً عن أدائه، أو قصوراً عن وفائه، فهنا يكون الفزع وهنا الخروج عن الطمأنينة، وهنا الشقاء.