وإن رأيتُ الناس يمدون إليّ يد السوء، أو لسان السوء، أو عين السوء، فما أشد ما ألقى من الفزع والجزع، وهنا الشقاء.
وإن رأيت معاول المرض تعمل في جسمي، وتهد من قواي، وتبعث في هذا الجسم رسالات من الألم شديدة أو غير شديدة، فهنا الفزع وهنا الشقاء.
وإن رأيت. . . وإن رأيت. . . مما يحول بيني وبين السكينة ويوقعني في الفزع والاضطراب، فهنا وهناك الشقاء.
والسعادة والطمأنينة غاية ليس وراءها من شيء، ولا يجد السعيد المطمئن في مهاد السعادة ما يبعثه على التفكير في أسبابها، ومن أين أتت إليه، وأي السبل اتخذت إليه، لأنها اطمئنان واستقرار ورضا، وسبيل لا عوج فيه ولا التواء.
أما الشقاء - أعاذنا الله منه - فلا يكاد ينزل بالمرء حتى يفسد عليه نفسه، ويلقي بالحيرة في ضميره، فلا تهدأ النفس عن الاضطراب بين علله وسبل الخروج من مضائقه. ولا يهدأ العقل عن التفكير في هذه العلل وهذه السبل، ولا يهدأ الضمير عن أن يتخذ لنفسه أشكالاً وأوضاعاً يسميها الناس وخزاً وتأنيباً وندماً وقلقاً وتبرماً وحسرة؛ وما إلى ذلك من الأسماء تختلف باختلاف أنواع الفزع وأسباب الشقاء. وهنا يكون الشقي بين شقي الرحى: شقائه الذي نزل به واضطراب نفسه وعقله وضميره في مبعث الشقاء وسبل الخروج منه. وكثير من الناس يزيد في شقاء نفسه بنفسه حين يخطئ السبيل التي تؤدي إلى الخلاص من الشقاء، أو حين يضل عن هذا الثقب الصغير الذي نفذ إليه منه البلاء، أو حين يلتمس الراحة من العناء فيما لا يزكو بالعاقل التماس الراحة فيه.
وما من سبيل لأن تعدد للناس حصراً أسباب الشقاء. ولا سبل الخلاص من الشقاء، ولكنني وجدت سبلاً ثلاثاً، كلما أفزعت عن طمأنينة السعادة إلى مضطرب الشقاء لجأت إليها فوجدت فيها عزاء وشفاء وهناء.
أخلو إلى نفسي فأصل بينها وبين الله بالتفكير في خلقها، وفي الحدود التي وضعها الله بين العبد وربه، وبين العبد والعبد. وفي تحديد حياتها بأجل تنتهي عنده، وأقيس ضعفها بقوة خالقها، وحقَّها في الحياة بحق من أوجدها في الحياة، وأتبين ما رسم الله لعباده من مناهج وطرائق تؤدي إلى السعادة العاجلة في الدنيا، أو الآجلة في الأخرى، وما فرض على العبد