وكان (جمال) بدوره يحبها ويفكر فيها، ولكنه كان فتى غيوراً من مصر، وكل فتيان مصر غُيُرٌ أشداء في الغَيرة، وهو كان يعرف أن (سُميّة) لم تكن له قبل أن يلقاها وتلقاه، بل هو كان يعرف اثنين أو ثلاثةً من أحبائها المدنفين بها، بل إن اثنين أو ثلاثة من أحبائها كانوا أصدقاءه، وكانوا يُسرون إليه، كل على حدة، بلاعج الحب الذي يعانون من (سمية)؛ وكانوا يشكون إليه دلالها وقلة اكتراثها بهم، فلم يتحدث إليه أحدهم عن (سمية) حديث سوء أو فحش، ولم يقل له أحدهم إنه نال من (سمية) خلوة فبثها غرامه، أو إنها حفلت به حين لقيها في الطريق فجزته عن ابتسام بابتسام، بل هم جميعاً كانوا في نصب من تمنعها الذي شف قلوبهم، وأضوى أجسامهم، وجعلهم في حيرة من أمرها.
على أن (سمية)، مع ذاك، كان لها أحباء تخلو إليهم قبل أن تعرف (جمال)، وكانت تعاطيهم من بضاعة الحب المُزْجاة قبلاً رخيصةً، غير حارة ولا وفية، ولا معنى فيها من هذه المعاني الرفيعة التي تصون الحب العذري، ويتجمل بسموها الهوى الطهري؛ وكانت تسرف أحياناً فتغشي المراقص والندى، وكانت تتضع فتحسو الخمر وتقبل الكؤوس، وكانت، من النشوة وجنون الشباب، تراقص الفتيان نصف عارية؛ وكان جسمها الجميل الممشوق، ونهدها البارز المتأجج، ووجهها المستدير الحلو، وخداها الموردان الأسيلان، وأنفها الدقيق وفمها الرقيق وذراعاها الناعمان. . . كان كل أولئك يجذب إليها قلوب الشباب المستهتر، وكانت قلوب الشباب المستهتر من حولها كالفراش حول اللهب، تنقذف فيه لتحترق!
وقد عرفها جمال هنا! في نفس المرقص الذي تعودت أن تغشاه أكثر من المراقص الأخرى. وقد قدمها إليه أحد أصدقائه القُنَّع الأغنياء على أنها غانية، ولكن جمالاً عرف فيها الفتاة العذراء بقلبها، النقية بسريرتها، المتبرمة بهذه الحياة التي مظهرها دنس وفجور وفسق، وباطنها ضمير معذب وقلب محترق ونفس شقية، ودموع مُكتَّمة وأمل مفقود. لقد كانت الأضواء المصنوعة البرتقالية والبنفسجية والصفراء والحمراء والبيضاء، تتكسر على ظهرها الأملس وصدرها المرمري، وساقيها الخِدلجين، فتزيد معاني الفسوق فيها في قلوب محبيها الذين لم يكونوا يعرفون منها إلا ما تعرفه شهواتهم وخباثاتهم، في حين كانت