هذه الأضواء نفسها تضاعف معاني الطهر والبراءة فيها في نفس جمال. ولذلك ضغط على يدها الصغيرة الحلوة الناعمة ضغطاً هيناً ليناً حينما قدمها إليه صديقه. . . وكان لقاء هو أول الطهر في حياة هذه الغانية، وهو أول الأمل المشرق والرجاء البسام.
لقد ضغط جمال على يد سمية ضغطة نقلت إلى قلبها الواسع ما في قلبه النحيل من حب ناشئ، تذوقته فلم تعرف فيه تلك النجاسة التي عرفتها من أحبائها الآخرين، وحدثت نفسها فوجدتها تنتقل فجأة من هذه الأرض الممتلئة بالأدران، إلى سماء فسيحة أثيرية ممتلئة بالأناشيد والأماني.
وفكر فيها جمال، وكاد عقله يصدفه عنها ولكن قلبه جذبه إليها بشدة وعنف، فاستسلم كالحمل، وألقى بروحه كلها في قبضة سمية.
والتقيا في خلوة، بعد مقدمات غرامية طويلة كلها حيطة وكلها حذر، وجلسا في منزل جمال الخالي من كل مخلوق عداه، وذهبا يتجاذبان أطراف الحديث الحي. . . ثم صمتا فجأة وتوسطت بينهما نظرات مستطيلة غائرة ممتلئة مغناطيساً عجيباً. . . ولم يقو جمال على هذا السحر المنبعث من عيني سمية، فأطرف برأسه، وأخذ فوديه بين يديه، وانفجر يبكي كالطفل، وسمية تتفرس فيه وتتألم. . . ولا تدري ماذا تصنع!
سمية التي خبرت من ألوان الحب ألفاً وألفاً، لم تر في حياتها مثل هذا المشهد العجيب مرة واحدة، لأن كل الذين اكتووا بنارها كانوا من طلاب جسمها الخصب، وجمالها الفتان، أما جمال، فقد عرف من ابتساماتها الحزينة، ونظراتها المترعة بالمعاني أنها جديرة بغير هذا اللون من الحب الشهوي الدنس، جديرة بحب جديد نقي يوائم هذه الناحية المستورة العميقة من نواحي نفسها الكريمة الرحيمة الناقمة على الحياة، الباحثة عن قلب واحد كريم من ملايين القلوب التي يزدحم بها العالم من حولها.
دهشت سمية، وجلست تلقاءه مسبوهة اللب ذاهلة القلب، لا تدري ماذا تقول، ولا كيف تعالج منه هذا البكاء وذلك النحيب. . . لقد كانت تظن أنه يستطيع أن ينال منها كل ما يشتهي، فإنهما بنجوة من الناس، ولا أحد يستطيع أن ينفذ إليهما ولو بنظرة. . . فلم لم يداعبها جمال؟ ولم لم يداعب كفيها على الأقل؟ لمَ لمْ يجلس إلى جانبها على الكرسي الرحيب فيضع رأسه على صدرها كما يفعل العشاق، أو يأخذ رأسها فيضعه على صدره،