(ماذا! إننا قادمون من نفس المكان الذي نرغب العشاء فيه!!)
وهزت كتفيها معنفة ومزدرية الرجل الذي ارتكب هذا الخطأ.
كانت حسناء في رونق شبابها وربما كان هذا هو الذي حملني على إخبارهما عن رغبتي في العشاء بفرساي. وأخذنا بأطراف الحديث. . . ووبخت زوجها الحائر وهو كأنما أخذته نوبة جنون يعوي عواء غريباً في خفوت كأنما لا تسمعه آذان غير أذني.
(تيـ يـ يـ ـت. . . . تيـ ـيـ يـ يـ يت)
واستطردت زوجه تقول:
(أنت دائماً مخطئ، فأنت الذي قلت إن (لاتورنيه) يسكن في شارع دي مارتز والواقع أنه لا يسكن هناك، وأنت الذي قلت إن (سلست) ليست لصة مع أنها كذلك، وأنت و. . .
وأخذت تلوم زوجها على كل أفكاره الخائبة وأعماله وجهوده الضائعة في مدة حياته الزوجية.
وعبثاً حاول زوجها إسكاتها بقوله:
(ولكن يا عزيزتي. . . أمام هذا السيد. . . ما الذي سيتصوره. . . ليس هذا بسار له).
وختم هذا بصياحه البربري الوحشي الذي بدا لي أنه عارض فجائي لحالة عصيبة مضطربة، وهنا تحولت الزوجة الصبية إلي وغيرت سلوكها بسرعة وقالت:
(إذا كان السيد لا يعارض فسنرافقه وعلى هذا فلا خوف علينا من التيه في الغاب).
فانحنيت. . . وجذبت بذراعي إليها وأخذت تحثني عن آلاف الأشياء، عن نفسها، عن حياتها، عن أسرتها، عن العمل، وزوجها يسير بجانبها ناظراً من مرة لأخرى بلهف يميناً وشمالاً صائحاً.
(تيـ يـ يـ يت)
فقلت له أخيراً:
(ما الذي يجعلك تصيح هكذا؟)
فأجاب بقلق:
(فقدت كلبي الصغير المسكين وما أتم الحول، أخذته معي اليوم لأول مرة ليرى الريف وكاد أن يجن من الفرح، كان يتوثب وينبح ويجري إلى الأحراج، ربما يموت جوعاً إذا ضل