شفقتهم ليخفف القانون الذي في أيديهم بالقانون الذي في أنفسهم؟
[إنه قال: لا يلومن الشرقيون إلا أنفسهم، فهم علموا الأجانب أن نتف ريش الطير أول أكله. وهذه الامتيازات إن هي إلا معاملة بيننا وبين طبيعة الخضوع في الشعب. نعم إنها مضرة ومعرة، وظلم وقسوة، ولكنها على ذلك طبيعة في الطبيعة؛ فما دام هذا الشعب لين المأخذ فإن هذا يوجد له من يأخذه، وما دامت الكلمة الأولى في معجم لغته السياسية هي مادة (خضع يخضع)، فهذه الكلمة تحمل في معناها الواحد ألف معنى، منها: ظلم يظلم، وركب يركب، وملك يملك، واستبد يستبد، ودجل يدجل، وخدع يخدع؛ فهل يكثر أن يكون منها للأجانب امتاز يمتاز؟
قال صاحب السر: ثم زم الباشا فمه وسكت، ففهمت الكلمات التي انطبق فمه عليها وإن لم يتكلم بها، ثم غلبه الضحك فقال: والله يا بني لو أن برغوثاً طمر من ثوب صعلوك أجنبي فوقع في ثوب صعلوك وطني فتقاتلا فقبض عليهما فأُخذا لما رضي برغوث الأجنبي أن يحاكم إلا في المحاكم المختلطة. . .
ثم سكت الباشا مرة أخرى كأنه يقول كلاماً آخر لا يجوز نشره ثم قال: يا بني إن الأجانب لا يضعون الحمل إلا على من يحمل؛ فإذا نحن توخينا مرادهم أرادوا لأنفسهم لا لنا؛ وإذا وافقنا لهم غرضاً جعلوه كالدينار فيه مائة قرش وأبوا إلا أن نصارفهم عليه بمائة. هم ويحك يمتازون في معاملتنا لا في سطور القوانين والمعاهدات فلنبطل هذه العاملة يبطل هذا الامتياز.
إن الحق يا بني استحقاق لا دعوى؛ وهذا التنازع على الحياة يجعل وسائله الطبيعية الانتزاع والمطالبة والتجرد له والدأب فيه والإصرار عليه. وكل الأقوياء يعلمون أن موضع الاعتدال بين غصب الحق وبين استرداده موضع لا مكان له في الطبيعة؛ والأجنبي يعتمد علينا نحن في جعله أكبر منا وأوفر حرمة. فإذا ألغى الشعب هذه الامتيازات من فكره وروحه وأعصابه وثارت فيه كبرياء الوطنية فاستنكف من الاستخذاء ونفر من الإختضاع وأبى إلا أن يعلن كرامته، وصرف اهتمامه إلى حقوق هذه الكرامة، وأصر ألا يعامل أجنبياً يرى لنفسه امتيازاً على وطني، وقرر ذلك في نفسه ومكنه في روعه وأجمع عليه إجماعه على الدين، إذا جاءت (إذا) هذه بشرطها من الشعب، جاء جواب الشرط من الأجانب