ولسنا نستطيع أن نسمي قصص (أبي زيد) و (السيد البدوي) وأمثالها قصصاً عربياً أو عجمياً، فكلها وليدة خيال مشعوذ وقلم مرضوض. . .
إذن لم يشهد الأدب العربي المصري جهوداً تبذل في سبيل القصة الموفقة إلا بالأمس القريب، منذ عشرات السنين، وبعد أن استطاعت النهضة العلوية أن تقوم اللسان، وتصلح التفكير، وتنمي الخيال. . . حين قامت طائفة من نوابغ الشبان تخلق القصة العربية في معناها الذي نعرفه الآن، وهي طائفة كل أفرادها اليوم من الكتاب الممتازين والأدباء البارزين. . .
وإذا كانت العربية، التي تحدث بها رعاة الإبل والأنعام في شبه الجزيرة، قد وسعت مدنية العباسيين وعلمهم الغزير، فإنها قد وسعت كذلك كل ما جال في خواطر أولئك الشبان، أو هؤلاء الكرام الكاتبين. وقد استطاع ذلك النفر - بما أوتي من فن خالص وموهبة - أن يزجي إلى العربية هدية لم تألفها من قبل أبداً. فلقد كان في محاولاته الموفقة متأثراً بالمدارس الغربية إلى جانب ما خص به من سليقة عربية حلوة الجرس موفقة المرمى، سديدة المعنى.
وإنه لواجب علينا أن نطوف بهذا النفر الجليل، وأن نمضي على نتاجه سريعاً، لنسجل له فضله شاكرين. . ولكننا نرى - قبل ذلك - أن نذكر المدارس التي تخرج فيها بكلمة قصيرة: وهي المدرسة الروسية والمدرسة الإنجليزية، والمدرسة الفرنسية. .
فالمدرسة الروسية قد امتازت بمحاكاة الواقع ومسايرته، والتعلق بالطبيعة ومظاهرها وأجوائها - الملموسة وغير الملموسة - ثم بالصدق، والهدوء، والتهكم. .
والمدرسة الإنكليزية تعشقت الصدق أيضاً؛ وأحبت التحليل النفسي الدقيق، ووفقت في كشف النفس البشرية توفيقاً عظيماً، واستطاعت أن تلمس العواطف وتترجم الأحاسيس في عمق وسداد عجيبين. .
والمدرسة الفرنسية قد عشقت الخيال، وتطرفت فبالغت بعض المبالغة، غير متقيدة بالواقع أو المألوف، وبرعت في الحبكة المصنوعة براعة تثير العجب والإعجاب معاً، ومالت إلى ترجمة الأسى والحزن البليغ. .
وهؤلاء الناهضون بالقصة فريقان: كان لأحدهما الفضل في أن يحمل إلى العربية القصة