للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولأنه أديب عربي قويم اللسان، مفطور على الفن. . وقد نرى فيما بعد - أن المازني المؤلف أسدى إلى القصة يداً فوق يده هذه، ولكن الفضل لا يمحو الفضل على حال؛ وسيبقى المازني المترجم خالداً في قصة (ابن الطبيعة) فقد كان فيها عظيماً حقاً، إذ استطاع أن يختار للعربية أروع أمثلة الأدب الروسي، كما استطاع أن ينقل فن أبناء الروس نقل الفنان والأديب الموهوب.

والفريق الثني هو فريق المبتكرين، أو الواضعين، وهو أول من ساق جمهور القارئين والمعنيين بالأدب إلى فهم معنى القصة الذي عرفها به الغربيون؛ ونستطيع القول بأن هذا الفريق أحسن إلى القصة حيناً من الزمن فعرفت له أياديه، ثم أهملها اليوم إهمالاً تأخذه عليه وتشكوه منه. . ولو استمر ذلك النفر فوهب القصة عهد رجولته كما وهبها شبابه، لاستطاعت أن تبلغ شأناً غير شأنها، ومنزلاً فوق منزلتها. .

وهؤلاء الذين يستطيعون أن يشقوا طريقهم ليأخذوا مقام الصدر بين آلاف المؤلفين وأشباه المؤلفين، ليسوا إلا أربعة من كرام الكتاب؛ هم: المازني، وهيكل، وتيمور، وأبو حديد.

ولكل من الأربعة لون خاص يميزه من سواه.

فالمازني. أميز صفاته سلامة أسلوبه العربي وعلوه، ثم جمال تهكمه وفكاهته، وميله إلى المزاح، مع شدة احتفاظه بالأرستقراطية. وهو إلى جانب هذا فنان من الطبقة الأولى، فقد اجتمعت فيه فطرة الفنان، والدراسة الطويلة المستمرة، فأنجبتا للعالم العربي قوة عزيزة قليلة الوجود.

وهو - على رغم كونه تلميذا مخلصاً للمدرسة الإنجليزية - لا يستطيع أن يخفي على القارئين أنه تتلمذ على المدرسة الروسية أيضاً. وإذا كان دائم الانكباب على الأدب الإنجليزي مولعاً به ولعاً شديداً، فإنه بطبعه وبسليقته الفنية، كان فيما أنتج ميالاً إلى المدرسة الروسية، في هدوئها، وصدقها، وتفكهها، وطبيعتها وإن استطاع - بما كسب من دراسة - أن يترجم الأحاسيس ترجمة صادقة تميز بها منشئو القصة الإنجليزية.

والذي قرأ المازني - المؤلف - في قصته (إبراهيم الكاتب) لا يمكنه بعد ذلك أن يندب حظ القصة في الأدب العربي الصميم؛ لأنه يراها في قصة المازني خلقت قوية لأول عهدها بالحياة، ووجدت من روحه الفنانة، وقلمه الملهم، ودراسته الطويلة، متكأ كان جديراً بأن

<<  <  ج:
ص:  >  >>