للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الرجل من جهته فقد سقط وإن بقي له كل شيء.

رموه بأنه كان رقيق الدين تاركاً لأركان الإسلام، ورموه بأنه كان يستخف بالأنبياء ويستصغر شأنهم، ورموه بأنه ذهب في الفلسفة مذهباً بعيداً عما يعتقده المسلمون؛ وقد نسوا حين رموا أبا الطيب بذلك كله أن دين الإسلام شديد الصرامة في حكم هذه المسألة، وأنه لا يحل لمن يعتنقه أن يرمي أخاه بأمثال هذه التهم لإرضاء حفيظة نفسه حتى يكون بين يديه دليل لا يقبل التأويل.

ولسنا حين نتشكك في أخبار هؤلاء الناس أو ننكر استنتاجهم ندعي لأبي الطيب أنه كان رجلاً صالحاً ورعاً يقوم الليل ويصوم النهار ويطيل العبادة وقراءة القرآن، ولكنا نفعل ذلك لنقرر أن حياة أبي الطيب قد أحاطها أعداؤه بكثير من الغموض وأحاطوها مع هذا الغموض بكثير من الأكاذيب والمفتريات كان من شأنها أن تريك حياته سلسلة من المتناقضات.

حكي على بن حمزة البصري قال: (بلوت من أبي الطيب ثلاث خلال محمودة: وتلك أنه ما كذب ولا زنى ولا لاط، وبلوت منه ثلاث خصال ذميمة: وتلك أنه ما صام ولا صلى ولا قرأ القرآن) وهذا خبر لم يذكر قائله معه وجهاً يقربه من الصدق. وهل يستطيع إنسان في الدنيا أن ينفي عن آخر فعل شيء حتى يزعم أنه لزمه طول حياته فلم يفارقه وأنه ما رآه يفعله قط؟ ثم إن أمر الصوم في حديث علي بن أبي حمزة أهون من أمر الصلاة وقراءة القرآن، فهو يستطيع أن يدعي مرة أخرى أنه رأى أبا الطيب كل عام في شهر رمضان في حلب ومصر والعراق وشيراز وسائر البلاد التي وطئنها قدماً أبي الطيب، وأنه رآه مع ذلك يأكل أو يشرب نهاراً، يستطيع أن يدعي هذا كله وحينئذ يتم له ما أراد من أنه بلا من أبي الطيب خلة ذميمة وهي أنه ما صام، ولكن أنى له أن يدعي ذلك. فأما أمر الصلاة وقراءة القرآن فنحن نسأله: أكان قد لزم أبا الطيب في مغداه ومراحه ومتيقظه ومنامه حتى يستطيع أن يزعم أنه ما صلى؟ وشيء آخر، ذلك أنه بلا منه خلة محمودة وهي أنه ما كذب، فهل سأله عن صلاته وقراءته القرآن فحدثه وصدقه الحديث أنه ما صلى ولا قرأ القرآن؟ والحق أن علي بن حمزة البصري رجل أراد أن يرمي أبا الطيب بما رمى به أمثاله أمثال أبي الطيب من قبل، وبما لا يزال أمثاله يرمون به أمثال أبي

<<  <  ج:
ص:  >  >>