للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تشبه غربة صالح عليه السلام، إذ كان يعيش في وسط لا يرون رأيه؟ وبعض ما أخذوه عليه تجد له محملاً في الكلام لو أنت حملته عليه لم يكن به بأس، وذلك كقوله في قصيدة مدح بها الحسين ابن إسحاق التنوخي:

فما ترزق الأقدار من أنت حارم ... وما تحرم الأقدار من أنت رازق

فإنه يمكن أن يكون قد أراد أن الحسين بن إسحاق رجل موفق إلى السداد وإصابة المقادير فهي تجري دائماً موافقة لما اهتدى إليه ولا شيء في ذلك فيما نظن. وأما بقية ما أخذوه عليه فداخل في باب المبالغة التي تجري على ألسنة الشعراء وهي لم تخالط قلوبهم، وأبو الطيب كثير المبالغة في شعره، ونحن نأخذها عليه من الناحية الأدبية ولا نستدل بها على فساد عقيدته؛ فمن ذلك قوله في مدح محمد بن زريق:

لو كان للنيران ضوء جبينه ... عبدت فصار العالمون مجوسا

ومن ذلك قوله من قصيدة يقولها في صباه:

عمرك الله هل رأيت بدوراً ... طلعت في براقع وعقود

راميات بأسهم ريشها الهد ... ب تشق القلوب قبل الجلود

يترشفن من فمي رشفات ... هن فيه أحلى من التوحيد

وقد اعتذر الناس عن قوله: (هن فيه أحلى من التوحيد) بوجوه: أحدها قاله ابن جني وملخصه إنكار هذه الرواية، والرواية عنده (هن فيه حلاوة التوحيد) وقد سرى إلى ابن جني داء النحاة في تحريف الشواهد وتغييرها على ما يوافقهم. والوجه الثاني: (تفسير التوحيد بأنه ثمر من ثمار العراق حلو المذاق، والوجه الثالث قاله العكبري وملخصه أنه ليس المراد تفضيل حلاوة الرشفات على حلاوة التوحيد، وإنما المراد تقريب حلاوتها من حلاوته لأن حلاوته ثابتة غير مكشوف فيها وحلاوتها غير معروفة، وذانك الوجهان من باب التمحلات البعيدة كما ترون، وليس لنا إلا أن نعترف بأن هذا غلو أفرط فيه أبو الطيب فتجاوز الحد. ومن ذلك قوله من قصيدة مدح بها أبا شجاع عضد الدولة

الناس كالعابدين آلهة ... وعبده كالموحد الله

وقوله من قصيدة مدح بها بدر بن عمار:

لو كان علمك بالإله مقسما ... في الناس ما بعث الإله رسولاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>