للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لو كان لفظك فيهم ما أنزل ال ... قرآن والتوراة والإنجيلا

وكل هذا من الغلو البعيد كما قدمنا، ونحن نعتب عليه أنه قد أسلس العنان لفكره حتى جال في هذا الميدان، فلا بدع أن يمتلئ من غباره وتصيبه إحدى قذائفه.

فأما ما اتهموه به من الذهاب في فلسفته مذهباً لا يقره الإسلام فأني أبادر بإنكار ذلك عليهم وأعرض عليكم شيئاً مما ذكروه لتتبينوا بأنفسكم أنهم لم يكونوا منصفين حين نسبوه إلى ما نسبوه إليه؛ زعموا أنه أنكر المعاد لقوله:

تمتع من سهاد أو رقاد ... ولا تأمل كرى تحت الرجام

فإن لثالث الحالين معنى ... سوى معنى انتباهك والمنام

وأي دليل في هذا الكلام على إنكار المعاد؟ وأي شيء في أن تقول: (إن للموت معنى غير معنى النوم واليقظة؟ ومن ذا الذي يزعم أن معنى الموت هو معنى النوم واليقظة أو أن حال الإنسان فيه كحاله فيهما) وزعموا أنه يرى رأي السوفسطائية الذين ينكرون ثبوت حقائق الأشياء لقوله:

هون علي بصر ما شق منظره ... فإنما يقظات العين كالحلم

ولو كان ذلك من مذهب السوفسطائية لما جاز لأحد أن يشبه شيئاً بضده إذا اشتركا في أمر من الأمور ونحن ما نزال نسمع الناس يقولون إن نوم فلان ويقظته سواء إذا كان لا يستفاد من يقظته أو كان لا يجد الراحة في نومه كما لا يجدها في يقظته. وما نزال نسمعهم يشبهون الموجود بالمعدوم والمنير بالمظلم. وهكذا يجري على الألسنة من غير أن يلتفت أحد إلى هذا الذي زعموه ونسبوه إلى القول بقدم العالم مستنجين ذلك من قوله في قصيدة رثى فيها أخت سيف الدولة:

تخالف الناس حتى لا اتفاق لهم ... إلا على شجب والخلف في الشجب

فقيل تخلص نفس المرء سالمة ... وقيل تشرك جسم المرء في العطب

وهذا استنتاج لا يقضي العجب منه، بل أنا أصارحكم - ولا ضير علي في ذلك - بأنني لم أعرف وجه هذا الاستنتاج، ولو استنتجوا من هذين البيتين أنه ينكر المعاد لكان لاستنتاجهم وجه. على أنه إذا صح أن يكفر رجل بهذا الكلام وجب أن نحكم على علماء المسلمين عامة بالكفر ونحكم بذلك بادئ الأمر على المشتغلين بعلم الكلام والرد على فرق الملاحدة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>