للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

في عصرنا الحاضر إلى عهد قريب النقيب الأشهر المرحوم هنري روبير.

وتجد مثل هذه الرابطة بين الأدب والقانون في إنجلترا، فكثير من أشهر أدبائها شغلوا كراسي القضاة أو لبسوا رداء المحاماة.

وقد بقيت لغة الأحكام والمرافعات في مصر سقيمة تافهة حتى دخل الميدان أمثال محمد عبده وحفني ناصف ومحمد صالح وقاسم أمين وسعد زغلول فرقوا بها إلى طبقات لم تكن تحلم بها.

وهذه الصلة ما زالت إلى اليوم معقودة يوثق عراها أعلام من أدباء العصر، فالدكتور هيكل كان محامياً، وفكري أباظة والدكتور مرسي محمود ولطفي جمعة محامون مشتغلون. وكان على رأس محكمة النقض والنيابة العامة أديبان لم تسعد اللغة القضائية حتى الساعة بخير من قلميهما.

لغة المحاكم إذن جزء من أدب كل أمة. ليس لها عنه غنى وله فيها كل الغناء.

لا غنى لها عنه لأنها من دونه ضئيلة عليلة مملة مسئمة.

وله فيها غناء لأنه يجد في ساحتها ميدانً مترامي الأطراف تلقى فيه الحقيقة بالخيال ويسعد قلم الأديب بمواضيع لا حد لكثرتها ولا تباينها. فمنها العظيم الفخم ومنها الصغير الدقيق. فيها الباكي المفجع وفيها الفكه الضاحك. الإنسانية كلها هنا، بأفراحها وأتراحها، بآلامها وأحلامها، بنبلها وضعتها، بخيرها وشرها. فالقلم الذي لا يجري في هذه الحلبة الواسعة خير له أن يكسر.

ولكن للغة المرافعات مع ذلك خصائصها ولها مميزاتها.

لغة المرافعة لغة حديث لا كتابة

إنها قبل كل شيء لغة حديث لا لغة كتابة.

وإن كان للحديث على الكتابة مزايا فإن له متاعبه وله صعابه.

فمن مزاياه أن المحدث يلقى السامع وجهاً لوجه؛ وفي استطاعته إذ يلقاه على هذه الصورة أن يستعين على إقناعه بلسانه وعينه، بصوته وإشارته، بحركته وسكونه، ببديهته ودقة ملاحظته، بل بما فيه من قوة مغناطيسية كامنة.

ولكن يقابل هذه المزايا أن المحدث مضطر بحكم طبيعة الموقف إلى الابتكار السريع

<<  <  ج:
ص:  >  >>