للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والكلام المرتجل ومواصلة الحديث في غير توقف ولا تردد.

فكيف يجب أن تكون لغته؟

إن أولى صفاتها من غير شك بساطة التعبير.

بل قل إن هذا الشرط شرط ضرورة؛ فقد يملك الكاتب أن يستعمل اللفظ المنمق، وأن يحتال على المعاني البعيدة، وأن يطلق العنان للخيال فيواتيه بصور شعرية رائعة. ولكن شيئاً من هذا غير مستطاع ولا ميسور لمتكلم تكتنفه صعاب الارتجال، وتستحثه الحاجة الملحة إلى إفهام سامع يرمقه بعين تتسع انتظاراً قد ينقلب في لحظة إلى تململ أو سآمة.

صحيح أن الطبيعة لن توات جميع الناس بالبديهة الحاضرة التي تستطيع الكلام عفوا، فهم مضطرون إلى تحبير مرافعتهم ثم إلقائها. ولكن حتى هؤلاء يجب أن يكتبوا بغير اللغة المعدة للقراءة، إن عليهم أن يتصنعوا لغة الارتجال؛ وليس هذا بميسور إلا أن يحتذوا حذو محام نابغة يدعى فارير، تكلم عن طريقته في كتابة الممتع فقال إنه يرى صامتاً مفكراً مدى أيام كلما اعتزم الدفاع في قضية هامة، فإذا ما كان قبل الجلسة بقليل اعتكف في مكتبه ثم جلس للكتابة فأطلق العنان لقلمه لا يلوي على شيء مما يعني به الكاتب من فصل أو وصل، وبعبارة أخرى إن الرجل كان يترافع بقلمه في القضية متمثلاً أنه أمام المحكمة، حتى إذا فرغ طوى صحفه وقام عنها وقد رسمت هذه المرافعة المكتوبة في رأسه معالم واضحة توجه فكره إذا ما وقف للدفاع، وتقيه شر جموح الخاطر دون أن تمنع تدفق بيانه المطابق لمقتضى الحال.

العاطفة في لغة المرافعات

وليس أجمل في لغة المرافعات بل ليس ألزم من غلبة العاطفة فيها.

إن كلام المحامي ليبقى مجرد كلام لا طائل تحته حتى تغشاه عاطفة صادقة فتصبح له قوة السحر. وقديماً قالوا إن القول ينفذ إلى القلب إذا صدر من القلب. ولكن كيف السبيل إلى مثل هذا القول؟ ليس أعصى في موضوعنا من التعبير عما نقصد (بالعاطفة) هي لا شيء. وهي كل شيء.

يقف محاميان يطلبان الرأفة لمتهم، فيفوه أحدهما بكلام لا يعدو السمع. ويقول الآخر قولاً يهز القلوب هزاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>