بالجنود: إلى الأمام! أي إلى الموت. . . إلى الثكل. . . إلى اليتم. . . إلى الحرب. (جحيم الحياة الدنيا)!
وأنت أيها الآخر. أأنت ذلك الجندي، مالك تقف جامداً؟ هذا قائدك، ألا تضم شفتيك، وتثبت بصرك، وتزوي ما بين عينيك، وتأخذ هيئة الجد لتؤدي التحية العسكرية، ويحك! أما أنت جندي؟ امرأة أنت، أأنت عشيقة القائد العظيم، رآك منصرفة من المعركة التي طوّح فيها بالمئات من شباب أمته في سبيل العدوان على بقعة ليست له أو إعطائها إلى غير أصحابها، ومنحها للبعض الطارئين من الشعوب الذليلة المسكينة، فماتوا كلهم ولم يقدروا على شيء، لأن للحق قوة كقوة النار والحديد، أأنت التي اخترقت سهام لحظها هذا القلب الذي طالما هزئ بالقنابل والمدمرات، فجاء يصب جبروته على قدميك، وأصبح هذا الذي يصرف عشرات الألوف من الكماة المستلئمين تصرفينه أنت وتجرينه من زمامه، حتى صار يفكر فيك وهو في ساحة الحرب، يزلزل الأرض تحت أقدام أهلها، ويتأمل صورتك والعدو على أبواب معسكره لا يخاف عليه أن تحيله الأعداء، ما يخاف عليك أن تمص لماك غير شفتيه، أو يضم جسمك غير ذراعيه. . .
اقترب يا سعادة القائد، اقترب منها، فضمها واشرب لماها. إنها هي التي تحب!
أم أنتما رجلان؟ أعدوان أنتما أم صديقان؟ أكان بينكما مسافة على الأرض ومسافة في الزمان، أم أنتما رفيقان متلازمان؟ هل التقيتما في معمل، أو عملتما في منجم، أو اشتغلتما في ديوان، أو اصطحبتما إلى الحرب، أو تجاورتما في السوق؟
أم كنتما مضطجعين في قصريكما المتقابلين، قد مللتما من التسلية، وشبعتما من الحب، فأنتما تدفعان العمر دفعاً، لا تتنازلان أن تنظرا من النافذة إلى هؤلاء البؤساء الذين يشتغلون دائماً وأبداً، كأنهم آلات تدور، تحت الشمس في الصيف، وتحت المطر في الشتاء، وفي الحر وفي الزمهرير، وفي الصحة وفي المرض، ليأخذوا بعد ذلك الواحد وتأخذوا أنتم التسعة والتسعين، مكافأة لكم على غصبكم حريتهم وعسفكم إياهم، وزرايتك عليهم، فتنفقوها على الموائد الخضر، وفي كؤوس الخمر، وعلى الشقر والسمر. . . ثم إذا خرجتم تمسحوا بأذيالكم، وقبلوا السياط التي تلهبون ظهورهم!
من أنتما أيها الإنسانان! وما شأنكما؟ أأنتما هنا لتقولا: إن الملك والغنى، والمجد والجاه،