النبيل، هل أنت مستعد لامتحاني أن أنت تخشى العاقبة فتعود سالماً لا لك ولا عليك؟ فأجاب الفتى باختصار وحزم: إني لعلى استعداد. وعندها أقبل الأمير على قومه يخاطبهم: أهنئكم يا رجالي بوارثي العتيد وأهنئ نفسي. ثم التفت إلى الفتى وخاطبه: أهنئ بك سلافة وأهنئها بك. فلأنت خير من يستأهلها يا بني وهي خير من يستأهلك.
ووجم الجميع إلا سلافة التي برزت من وراء الخباء (إذ كانت جاءت خفية لتشهد المحنة) وخاطبت أباها عابثة أو كالعابثة:
أي أبت، كيف تتعجل وتسميني لهذا الفتى ولما يجز الامتحان بعد؟ فهلا أبقيت ذلك لنرى مبلغ همته ومقدار رجولته التي سيتكشف لنا عنها في ذاك الامتحان؟
فأجاب الأب، أي بنيتي العزيزة، لقد حاز فتاك الامتحان من حيث لا يعلم ولا تعلمين. جاءنا هذا الفتى الشريف مستبهماً لم يسم نفسه قط ولم ينتسب، ثم هو لم يحاول أن يدهشنا بثروته وجاهه وإن يكن له من ذلك الشيء الكثير (كما دلني على ذلك العيون وعيناي)، لقد جاءنا واثقاً من نفسه واثقاً أنه أهل لك دون أن يضيف إلى شخصه الأسماء الكبيرة والمال الوفير والدعوى العريضة. ثم ألم يبلغك كيف لم يعارض ولم يجادل فيما حاولنا أن نغمره ونحرجه به من وسائل الإكرام، شأن الخطاب الآخرين لنرى ما هو قدر نفسه عند نفسه؟ ولو كان رأيه في نفسه كرأيهم في نفوسهم وإن حاولوا الظهور بخلاف ذلك، لفعل فعلتهم وناله مثل ما نالهم. ولكن هو المحتد الكريم يأبى ألا أن يظهر ويستعلن. ثم أليس في سكوته دون الذي حاولنا من غمره بأسباب الإكرام ما يدل على أن فضيلة الكرم هي طبع فيه وسجية فلا يستهولها في غيره؟ أو لم يكن استهوال الخطاب الآخرين مظاهر الجود والكرم التي رأونا نغمرهم بها دليلاً لا يخطئ على أنهم ليسوا الكرام الذين يدعون؟ أليس المقل من المال أو الشحيح هو الذي يستكثر أعطيات الناس ومظاهر جودهم؟
ولم يبق بعد هذا التفسير من لم يقتنع بخطة الأمير الحكيمة وأسلوبه المبتكر في امتحان الرجال. وفي اليوم التالي عقد للفتى على فتاته بين أشد مظاهر الغبطة والحبور. وقضياها حياة مديدة هي السعادة والهناء.