للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك هو الذي بلغ بنا ما ترى. فالقوم إلا قليلاً منهم كالأسلاك الكهربائية المعطلة لا فيها سلب ولا إيجاب؛ ولو أن هؤلاء العلماء كانت فيهم كهرباء النبوة لكهربوا الأمم الإسلامية في أقطارها المختلفة. إذن لقام في وجه الاستعمار الأوربي أربعمائة مليون مسلم جلد صارم شديد متظاهرين متعاونين قد أعدوا كل ما استطاعوا من قوة العلم وقوة النفس، وهو لو قذف كل منهم بحجرين لردموا البحر. . .

أتريد معنى التعصب في الإسلام؟ إنه بعينه كتعصب كل إنجليزي للأسطول، فهو تشابك المسلمين في أرجاء الأرض قاطبة وأخذهم بأسباب القوة إلى آخر الاستطاعة لدفع ظلم القوة بآخر ما في الاستطاعة.

وهو بذلك يعمل عملين: استكمال الوجود الإسلامي والدفاع عن كماله.

وإذا أنت ترجمت هذا إلى معناه السياسي كان معناه إصرار جميع المسلمين على نوع الحياة وكرامتها لا على استمرار الحياة ووجودها فقط. وذلك هو مبدؤكم أنتم أيها الإنجليز لا تقبلون إلا حياة السيادة والحكم والحرية فأنتم مسلمون في هذا المبدأ لو عدلتم.

أليس من البلاء أن المسلمين اليوم لا يدرس بعضهم بلاد بعض إلا على الخريطة. . . مع أن الحج لم يشرع في دينهم إلا لتعويدهم دراسة الأرض في الأرض نفسها لا في الورق، ثم ليكون من مبادئهم العملية أن العالم مفتوح لا مقفل؟

إن التعصب في حقيقته هو إعلان الأمة أنها في طاعة الشريعة الكاملة، وأن لها الروح الحادة لا البليدة، وأن أساسها في السياسة الاحترام الذاتي لا تقبل غيره، وأن أفكارها الاجتماعية حقائق ثابتة لا أشكال نظرية، وأن مبدأها هو الحق ولا شيء غير الحق، ون قاعدتها (لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم) فالهداية أولا والهداية أخيراً: الهداية في القوة والهداية في السياسة والهداية في الاجتماع. فقل لي بحياتك وحياة إنجلترا: أيعاب ذلك على المسلمين إلا بالألفاظ التي يعيب اللص بها أهل الدار لأنهم يحكمون في وجهه إقفال الباب. . .؟

قال: فوجم الإنجليزي حتى ذهل عن نفسه وصاح:

إذا كان هذا فلنتعصب فلنتعصب.

(سيدي بشر. إسكندرية)

<<  <  ج:
ص:  >  >>