تركنا السيارة أمام رصيف البيت وجلسنا في الشرفة نأكل لحم الغائبين - أعني ننتظرهما - وإذا بهما عائدان بعد نحو ساعتين في سيارة - هي أخت سيارتنا بلا فرق - فانحدرت إلى الطريق بسرعة فوجدتهما يتأملان هذه المعجزة. فقلت:(تمام. . لقد سرقت هذه السيارة يا صاحبي ولم أكن أعرف أن قريبي ونسيبي لص. . ولكن ماذا أصنع؟. لقد أخفوك عني قبل أن أتزوج. فصار واجبي أن أخفيك أنت عن الناس بعد أن تزوجتُ).
فهم بكلام فمنعته ودعوته أن ينظر إلى رقم السيارتين، فاقتنع وقال ما العمل الآن؟ قلت:(تستعد للسجن. . لقد كان هذا واجباً من زمان طويل في الحقيقة، ولكن ما أكثر من يستحقون السجن وهم طلقاء. . والآن اذهب بالسيارة إلى الجراج - السيارة المسروقة - ثم أبلغ البوليس بالتلفون وقل له إنك عندي تنتظر حضوره للقبض عليك).
وعرفنا منهما بعد ذلك أنهما ركبا القطار ثم الترام إلى العتبة الخضراء وإذا بهما يريان السيارة عند رصيف إدارة البريد فذهبا إليها يعدوان فألفياها خالية فركبا، وساقها هو وانطلقا بها من غير أن يعنيا بالنظر إلى رقمها وانحدرا بها في شارع فاروق وتركا صاحبها المسكين يجري وراءهما ويصيح ويصرخ ويستنجد وهما يضحكان مسرورين! بارك الله فيهما من لصين جريئين!
فقلت لهما:(لا عليكما. . ستكون العتبة الخضراء كلها عندنا بعد دقائق ببوليسها وصبيانها وباعتها. . إلى آخره. . إلى آخره. . وسيشهد الجيران وجيران الجيران، أمتع رواية رأوها أو يمكن أن يروها في حياتهم أو حياة هذا الشارع الرزين).
وجاء الشرطة والمسروق المسكين في تاكسي. وكان لا بد أن يروا السيارة وأن ينزلوا، وكنت واقفاً إلى جانبها أنتظر هذا التشريف، فقال الرجل (هذه هي. .) ومسح العرق المتصبب ودنا منها وهم بأن يفتح بابها فتصديت له وقلت: (عفواً. . هل من خدمة؟.)
فصاح (خدمة؟؟ يا حرامي يا مجرم!! أين أخفيت شريكتك؟ المرأة التي كانت معك؟).
فنظرت إلى الشرطي وأنا أبتسم - فقد كان الموقف يتطلب الهدوء والكياسة - وقلت:(هذه سيارتي يا حضرة الشاويش فما خطب هذا الرجل؟).