العربية، وحيث طبع المستعمرون المسلمون في القرن العاشر حياة هذا الإقليم بطابع من عاداتهم وتقاليدهم. وقد كانت هذه الحقائق التاريخية موضع عناية بعض الباحثين في القرن الماضي فتناولوها بالشرح والاستقصاء، وكانت مباحثهم فتحاً جديداً في هذا الميدان؛ ونستطيع أن نخص بالذكر منهم العلامة المستشرق رينو، فقد كتب عدة فصول بديعة في كتابه (غزوات العرب في فرنسا) عن الآثار الفكرية والاجتماعية في جنوب فرنسا وبخاصة في بروفانس.
ولقد اخترقت سبتمانيا من آرله حتى جبال البرنيه؛ ووقفت مدى حين في دينة أربونه وقد أذكى خيالي حين شهدت عاصمة الرباط الأندلسي القديم، تلك الذكريات العربية البعيدة التي تغيض في عالم القرون والتي لم أجد لها أثراً في المدينة الفرنسية الحديثة. وحينما وقفت في (بربنيان) تذكرت أنها كانت مجاز الجيوش الأندلسية إلى غاليس، وأن عرب الأندلس كانوا يفضلون اجتياز جبال البرنيه من الناحية الشرقية من ممر بربنيان، مخترقين قطلونية إلى (الثغر) ثم يتجهون بعد ذلك شمالاً إلى أقاليم الرون، أو غرباً نحو (اكوتين)؛ بيد أنه توجد إلى جانب ممر بربنيان ممرات أخرى كان يتدفق منها عرب الأندلس إلى جنوب فرنسا، وأشهرها ممر (رونشفال) الشهير الذي يسميه الإدريسي (باب الشزري). ولرونشفال ذكرى خالدة في التاريخ والقصص الفرنسيين، فقد كانت مسرحاً للموقعة الشهيرة التي مزق فيها العرب جيش كارل الأكبر (شارلمان) حين عوده من غزوته لأسبانيا الشمالية، التي نظم فيها رولان وصيف شارلمان أنشودته الشهيرة
وإن السائح المتجول ليتساءل حين يتأمل تلك الوهاد كيف استطاع العرب الذين برزوا من بسيط الصحراء إلى الغزو أن يجتاحوا تلك الهضاب الوعرة، وأن يحرزوا النصر الباهر في هاتيك السهول النائية على حين أن أعداءهم أعرف بطبائعها وجنباتها. ولقد كان اجتياز جبال البرنيه الشامخة أعجوبة في التاريخ القديم، ولكن العرب اجتازوا تلك الربى الهائلة واقتحموها مراراً في سبيل الفتح. ولقد خالجني مثل هذا الشعور حينما اجتزت صحراء العرب منذ بضعة أعوام، وأذكى القفر الشاسع خيالي، فتساءلت كيف استطاعت الجيوش العربية الزاخرة أن تجتاح هذا القفر الرائع في عصر كان التنقل فيه محفوفاً بأعظم المشاق؟ وكيف كانت هذه الجيوش تمون نفسها بالزاد والماء خلال أسابيع طويلة تستقبل