الأدبي. ولعل رحلة هرقل ورحلة أرفيوس الموسيقي إلى الدار الآخرة كانتا ذواتي أثر كبير أو قليل في دانتي حينما كتب كوميدياه، ففيهما وصف بارع للجحيم نسج على منواله فرجيل في الأنيد.
دانتي ورؤيا يوحنا اللاهوتي والأدب المسيحي
وإذا كان دانتي قد تأثر بكل ما ذكرنا من هذه الآداب المتفرقة، فمما لا ريب فيه أنه تأثر بالأدب المسيحي عامة، والعهد الجديد خاصة، ونخص من العهد الجديد آخر أسفاره (رؤيا يرحنا اللاهوتي)، فهي رؤيا جميلة حقاً، وفيها من ألوان الخيال (الخيال الأدبي طبعاً) شيء كثير، ونحسب أن دانتي قد اقتبس الفصل الخاص ببحيرته في جحيمه من نفس المنظر الخاص بالبحيرة في هذه الرؤيا، بل نحسب أن الوُضّاع الذين لفقوا أحاديث المعراج الموضوعة قد دسوا هذا المنظر في أسطورتهم من رؤيا يوحنا نفسها. بيد أنه ينبغي ألا نغالي في مقدار تأثر دانتي بهذه الرؤيا كما ذهب إليه بعض إخواننا من الأدباء المسيحيين بل ربما كان تأثر دانتي بأخيلة القرآن (نقصد دائما معنى الكلمة الأدبي) أبعد مدى من تأثره بأخيلة الإنجيل، لأن القرآن وصف جنة النعيم وشقاء الجحيم بما لا يسمو إليه خيال شاعر مهما تفنن وأبدع، ولأن دانتي كان يرد بكوميدياه على أعدائه خاصة وأعداء المسيحية من المسلمين في زمانه عامة، ولذا كان يحسب أنه يحارب بسلاح أعدائه.
خاتمة
هذا ما عن لنا أن نقول في دانتي وأبي العلاء، وشتان بينهما! شتان بين أعمى المعرة الساخر الملحد الفيلسوف المتفنن القانع بالعدس والفول والتين والخيار من لذائذ الدنيا الخاتلة، وبين دانتي السني المتدين المتعصب للكنيسة ولو أذلت رومة وطنه ووضعت أنف فلورنسا في التراب، الساخط على مواطنيه لأنهم حرموه المناصب التي تدر عليه العسل واللبن، المتبرم بزوجه، الناقم على أطفاله، المقلد لغيره في كل خطوة من قصيدته.
ليس ضيراً إذن على أبي العلاء ألا يكون دانتي قد قلده ونسج على منواله، بل الضير كل الضير هو في مقارنة قصيدة دانتي برسالة أبي العلاء، فلقد كان دانتي عالة على فرجيل في الكوميدية الإلهية كما شهدنا، ولكن أبا العلاء لم يكن عالة على أحد، بل كان الشاعر ذا