للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إن مثل هذا الحق لا يمكن أن يكون إلا لله سبحانه وتعالى المطلع على السرائر العليم بالنيات، ومع ذلك فأنه جل شأنه شرع الحساب قبل العقاب؛ ثم إن هذا الحق لم يتطلع إليه أحد من العالمين حتى الأنبياء أنفسهم، وقد أجمعت الشرائع على عصمتهم من الزلل والخطأ، ولكن الورادني يريد أن يضع نفسه فوق كل الدرجات المتصورة لحاكم وحكم وقتل.

إني لترتعد فرائصي إذا تصورت منظر البلاد وقد نشأ فيها البلاء الأكبر بفشو تلك المبادئ القاضية).

واسمع ما يقوله النائب العام السابق خاتماً به مرافعته الرائعة في قضية الفلال.

(لقد أبنت مبلغ نذالة الجريمة ومدى شرها إذا هي وقعت على كابر جليل المقام.

أبنت ذلك بقدر ما فسح لي موقف النائب العمومي وأجازته الأمانة التي في عنقي.

ولو أن المجال حر لقائل لسمعتهم كل ما يتطلبه حزمكم وترضاه عدالتكم، ولكنني كما أسلفت مؤمن بفطنتكم ولي فيها كل الغناء.

على أن هناك أمراً أجل شأناً وأعظم خطراً لا أستطيع حمل ضميري على كتمانه، ولا عقد لساني عن بينه. هذا الأمر الخطير هو ما أشرت إليه في صدر مرافعتي وألمحت به عند حديثي عن الباعث الذي دفع المتهم إلى جنايته، ذلك هو ولع التبطل وغواية الاستعظام، وما أجملت في جلسة الإحالة بأنه داء اجتماعي وبيل يهدد الحكومات في كيانها ويشل النظام من أساسه، وأنه إن لم يؤخذ بيد عسراء استفحل ضرره وعز اتقاء شره. نعم استفحل ضرره وعز اتقاء شره.

ارسموا لأنفسكم بواسع خبرتكم ونافذ بصيرتكم حال البلاد وقد أصبح كل عظيم فيها هدفاً لرأي شقي تربعت في نفسه الشريرة هذه الأفكار الخطرة! تلك حال أستعيذ بالله منها.

هي مضيعة للطمأنينة ومقتلة للنبوغ ومفسدة لنفس العاملين؛ بل هي حفرة يتردى فيها إخلاص المخلصين ونشاط المجدين وإيمان الصالحين.

أنتم قضاة الحق ولكنكم أيضاً مربو الخلق. وكلمة العدل التي بها تنطقون يتجاوب صداها في نفوس ناشئة ونفوس ثائرة ونفوس فزعة خائرة. فاجعلوا حكمكم رسالة عدل وبلاغ عبرة وبشرى سلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>