أثروت أم أبو السعود من المغيبين في جوار الله؟ الأبراشي أم لبيب عطية أم عمر عارف من الأحياء النابهين؟
كلهم يصح أن يحتذى.
اسمع ما يقول النائب العام الأسبق في قضية الورداني
(إن الوطنية التي يدعي الدفاع عنها بهذا السلاح المسموم لبراء من مثل هذا المنكر.
إن الوطنية الصحيحة لا تحل في قلب ملأته مبادئ تستحل اغتيال النفس. إن مثل هذه المبادئ مقوضة لكل اجتماع.
وماذا يكون حال أمة إذا كانت حياة أولي الأمر فيها رهينة حكم متهوس يبيت ليله فيضطرب نومه وتكثر هواجسه فيصبح صباحه ويحمل سلاحه يغشاهم في دار أعمالهم فيسقيهم كأس المنون؟
ثم إذا سئل في ذلك تبجح وقال إنما أخدم وطني لأني أعتقد أن مثلهم خائنون للبلاد ضارون بها: تباً لتلك المبادئ وسحقاً لها! كيف يقوم لنظام قائمة مع تلك المبادئ الفاسدة؟ إن مبادئ كل اجتماع ألا ينال إنسان جزاء على عمل مهما كان هذا الجزاء صغيراً إلا عن يد قضاة اشترطت فيهم ضمانات قوية وبعد أن يتمكن من الدفاع عن نفسه حتى ينتج الجزاء النتيجة الصالحة التي وضع لها من حماية الاجتماع.
فإذا كان هذا هو الشأن في أقل جزاء يلحق بالنفس أو بالمال فما بالك بجزاء هو إزهاق الروح والحرمان من الحياة؟
تلك مبادئ لا وجود لمجتمع إلا بها ولا سعادة له بدونها، فالطمأنينة على المال والنفس هي أساس العمران ومن الدعائم التي ادعم عليها في كل زمان ومكان، ولكن الورداني له مذهب آخر في الاجتماع، فهو يضع نفسه موضع الحكم على أعمال الرجال فما ارتضاه منها كان هو النافع، وما لم يرتضه كان هو الضار. ويريد أيضاً أن يكون القاضي الذي يقدر الجزاء ثم يقضي به من غير معقب ولا راد.
كل ذلك والأمر لم يتعد إرجاء صدره ولا يعلم ذلك المسكين الذي سينصب عليه هذا القضاء أنه على قيد شبر من الموت جزاء له على جناية لم يسأل عنها ولم يعلم من أمرها شيئاً.