أذني والأول مندفع في بيانه الساحر:(لا تطمع أن تسمع خيراً من هذه الفرنسية من خير المترافعين أمام محكمة السين).
وفي المحاكم الأهلية سابقت لغة المرافعات الزمن فسبقته.
لقد وجد مداره مقاويل - على حد تعبير رئيس محكمة النقض - قبل أن تخطو اللغة العربية خطواتها الأخيرة الواسعة.
وجد (حسين صقر)، و (اللقاني)، و (نقولا توما) وغيرهم من بناة المجد في زمن كانت المحاماة فيه مجرد اجتهاد.
وثمة نموذج من هذا المجد الغابر تجده إلى اليوم قائماً بيننا في شخص شيخ الجماعة وإمام الصناعة الأستاذ الأكبر إبراهيم الهلباوي بك.
من ذا يستطيع إلى اليوم تحدي بديهته الوثابة ولغته الفكهة اللاذعة وسخره القتال؟
ومن ذا الذي يستطيع أن ينسى سعد زغلول وأبا شادي من جبابرة ذلك العصر وكلاهما كان إلى الأمس القريب صداحاً بأروع الأدب.
وجاءت بعد هؤلاء طبقة هي فخر المحاماة بمعناها الصحيح وفخر لغة العصر: أحمد لطفي بلغته السهلة الممتعة وعبد العزيز فهمي بقلمه ولسانه الجبارين يتصرفان في المعنى وفي المبنى بما يريد ويشتهي. ووهيب دوس صاحب المنطق الجزل والديباجة الرشيقة والبيات المتدفق في غير متعة ولا تزيد. ومرقس! مرقس الذي لا يلحق ولا يدانى، مرقس الجذاب الأخاذ، المتغلغل بسامعه إلى الأعماق، السامي به إلى السبع الطباق.
كل من هؤلاء يستحق أن يدرس دراسة خاصة، وأن يقدمه إلى الناس قلم غير هذا القلم، وأن تقف عليه جهود لا تستطيعها هذه العجالة.
وفي دراسة هؤلاء الفحول دراسة لناحية مجيدة من أدبنا القومي يجب ألا تهمل. وحسبك منا هنا الإشارة إلى آثارهم في مختلف ألوان فني الكلام القضائي مما لا يحصيه محص.
مرافعات النيابة
ومن الإجرام أن نغفل في صدد الكلام على المرافعات في مصر جهود القائمين بالدعوى العامة.
لقد ضربوا في فني الكلام القضائي بسهم ورقوا بالمرافعات الجنائية إلى عليين.