خالياً من هذه الإرادة الذميمة فأني أرى أنه ليس فيه شيء من الحرمة، بشرط ألا يصحبه ما يفعله رجالنا من التعريض القبيح إذا مر بهن النساء، وتلك عادة ذميمة يجب على رجالنا أن يقلعوا عنها، وأن يعنوا بجد الحياة بدل هذا الهزل والمزاح.
فالمرأة المسلمة في حل من هذا النقاب الذي يظن أنه فرض عليها في دينها، إذ شاءت سترت به وجهها، وإذا شاءت تركت وجهها بلا نقاب؛ ولا يطلب منها دينها إلا أن تترك التبرج والتهتك والتزين بما يزيد على الحاجة، أو يدعوا إلى الفتنة. ولا دلالة في قوله تعالى:(وليضربن بخمرهن على جيوبهن) على وجوب هذا النقاب، لأن سبب نزول هذا أن نساء الجاهلية كن يشددن خمرهن من خلفهن، وكنت جيوبهن من قدام، فكانت نحورهن تنكشف، وكذلك قلائدهن، فأمرن بضربها على الجيوب لتغطي القلائد والنحور. ولا يعقل أن يراد من هذا تغطية الوجه أيضاً بعد استثنائه في قوله:(إلا ما ظهر منها).
ومما يحتج به لهذا النقاب قوله تعالى في سورة الأحزاب:(يأيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيما)، قيل في تفسير ذلك إنه كان رجال من الفساق يتعرضون في الطرق للنساء ويتبعونهن، فإذا لامهم الناس قالوا كنا نحسبهن إماء، فنزلت هذه الآية باتخاذ الجلباب للحرائر ليعرفن من الإماء فلا يؤذين. وقد مر بن الخطاب بجارية ذات نقاب فضربها وقال لها: أتتشبهين بالحرائر يالكاع!
وإني أرى أن مثل هذا لا يصح أن يكون حجة على وجوب هذا النقاب، وأرى أن قوله تعالى (ذلك أدنى أن يعرفن) ليس معناه أن يعرف أنهن حرائر، لأن دفع هذا الأذى عن النساء واجب في الإسلام بلا فرق بين الحرائر والإماء، وإنما معنى هذا عندي أنهن يعرفن بأنهن عفيفات فلا يطمع فيهن الرجال.
أما أن ذلك لا دلالة فيه على وجوب هذا النقاب فلأن هذه الصيغة (يأيها النبي قل) لا تدل على الوجوب، لأن الأمر بالأمر بشيء لا يفيد وجوب هذا الشيء، كما هو مذهب جمهور علماء الأصول، ولأن قوله (ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين) يدل على أن هذا لا يقطع ذلك الأذى، وإنما هو أقرب إلى دفعه، ومثل هذا لا يكون واجباً، بل يكون مندوباً. على أنه قد اختلف في إدناء هذا الجلباب، فقال ابن عباس: أمر نساء المؤمنين بذلك أن يغطين