للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وليس أوقع في النفس من السير في طريق تشرف عليه الجبال وتغيب قننها في السحاب فكأنها عروش للطبيعة!!!

وظللنا ننحدر وندور حول جبل بعد جبل، ونمرق من القرى والضياع واحدة بعد واحدة، وما هو إلا أن نلف مع الطريق حتى تختفي فجأة، ثم إذا هي بعد لفة أخرى تبدو لنا منازلها منتثرة وبعضها فوق بعض؛ ثم ندور مرة أخرى فتحتجب ونحن لا نكف عن الانحدار ولا نزال نهبط حتى استوى الطريق واستقام، فعلمنا أننا دنونا من بيروت. ولم تكن هي غايتنا فملنا عن طريقها وأخذنا في طريق (عالية) ثم شعرت أن السيارة صهدت جداً حتى صارت سخونتها لا تطاق؛ فعجبت، وخفت ووقفت، فسألتني زوجتي عن الخبر، فقلت: إن السيارة سخنة جداً، ولا أعرف لهذا من سبب إلا أن تكون أنابيب الماء قد ثقبت، فهو يسيل منها ولا يبقى فيها. وكنا لحسن الحظ في مدخل إحدى القرى فلم نجد عناء في الحصول على ماء صببناه فيها، وملأنا زجاجتين استعرناهما من بعض القوم. وبعد ذلك صرنا نضطر أن نقف من حين إلى حين لنصب الماء في السيارة ولم يكن ما حملنا منه كافيا، فكنا كلما بلغنا قرية نأخذ منها حاجتنا ونحتفظ بما في الزجاجتين للطريق بين القرى حتى بلغنا (الشاغور) وكان جيراننا قد سبقونا إليه.

وقفت بالسيارة وراء زميلتها وفتحت بابها فشدت زوجتي ذراعي وصاحت بي: (انظر. . . انظر. . .)

فنظرت إلى حيث تشير، فرأيت صبياً غريب الثياب. يلبس سروالاً - أو شروالاً كما يسمونه أحياناً في مصر - وقد لف على خصره - إذا جاز أن يسمى هذا خصراً - حزاماً أحمر غليظاً، ومن فوق ذلك - أو من تحته إذ شئت - صدرية من الحرير المخطط تجمع طرفيها سلسلة من الأزرار تنتهي عند العنق. وعلى رأسه لفة كبيرة. وفي كلتا يديه تفاحة عظيمة يهوي عليها بأسنانه.

وقالت زوجتي: (أين الكاميرا؟ دعه يقف حتى أصوره!).

فدنوت من الصبي وأنا أقول لنفسي: (أصيب عصفورين بحجر) أستوقفه حتى ترسمه زوجتي، وأكل إليه حراسة السيارة. ولكن الغلام رآني مقبلاً عليه، فجعل يتراجع، وعينه عليّ، وأسنانه تعمل في التفاحة، ولم يكن ثم شك في أن الصبي الأحمق يخشى أن أخطف

<<  <  ج:
ص:  >  >>