للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

التفاحة منه، فهو لهذا يدبر كلما أقبلت، وكنت أطمئنه وأؤكد له أني لا أريد به سوءاً وأن في وسعه أن يأكل تفاحته على مهل، ولكن هذا كان يزيده خوفاً، فقد أسرع في القصم وصار فيما أرى يزدرد ولا يمضغ. ولا أدري لماذا ألححت في دعوته أن يقف ويتمهل فقد كان هناك غيره ولم يكن ثم ما يدعو إلى الخوف على السيارة، ولكن الذي أدريه أنه فرغ من التفاحة ورمى وجهي بما بقي منها فأصاب أنفي.

ولما أفقت، التفت إلى زوجتي، وقلت:

(هذه جنايتك. . . وقد كان أنفك أولى، ولكن الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون) فضحكت.

وكان جيراننا قد خفوا إلى (مكان الحادثة) وعرفوا ما كان فانطلقوا يقهقهون معها. وقالت زوجتي:

(لقد استطعت أن ألقط صورتك حين وقعت التفاحة على أنفك).

قلت: (ستكون الصورة ذكرى جميلة. . . أليس كذلك؟ وهذا جزاء الأحمق الذي يتزوج. . . يجيء بامرأة فيطعمها، ويكسوها، ويبرها ويسرها ويعاني من أجلها وفي سبيلها المتاعب والمنغصات، وتضحك منه حين ينبغي أن تعطف عليه وتألم له).

فلم تعبأ بي، ومضت عني مع الجيران، وهي تضحك.

ونعمنا بيوم جميل في الشاغور، ولم يكن أقل ما سرنا نومنا على العشب، والماء إلى جانبنا يخرج من بين الصخور دافقاً راغيا يتحدر من صخرة إلى صخرة كالشلال. وانقضى النهار، وآن أن نعود من حيث جئنا. وكانت السيارة قد أصلحت في خلال ذلك، فركبنا وانطلقنا راجعين.

وقلت لزوجتي وقد بلغنا البيت (هاتي المفتاح!).

قالت: (أي مفتاح؟ إنه معك. . . لقد كنت أنت الذي أغلقت الباب، وأظنك وضعت المفتاح في جيب البنطلون).

وكان مفتاحاً كبيراً عتيقاً لا يعقل ألاّ أشعر به إذا كان في جيبي، ومع ذلك بحثت، وأخرجت الجيوب ونفضتها أمامها، وأوسعت السيارة بحثاً عسى أن يكون قد سقط مني فيها، فلم أجد له أثراً. فقلت وقد تعبت (أسوأ ختام لخير نهار. . . لا بأس. . . والآن لم يبق إلا أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>