للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا أول ما يلاحظ الزائر المتأمل في ألمانيا الجديدة. ولقد كانت منشن مهد الحركة الاشتراكية، وفيها بزغ نجم هتلر وصحبه، وهي لذلك أشد العواصم الألمانية حماسة للزعيم ومبادئه. وما زالت منشن في الواقع قبلة الاشتراكية الوطنية، ومستودع آثارها وذكرياتها؛ وإليها يحج أولئك الذين يعبدون المبادئ والذكريات من كل فج ليقفوا خاشعين أمام الهياكل والآثار التي أسبغت عليها السلطات نوعاً من القدسية المؤثرة: تلك هي بعض الآثار والذكريات المادية لقيام الحركة الاشتراكية الوطنية، البيت الأسمر وهياكل الضحايا، ودار (لزعيم) أو دار الحزب الاشتراكي الوطني، وهي جميعاً تقع في (ميدان الملك) وفي شارع منعزل هادئ يسمى شارع (أرسيس). ولقد شهدنا هذه الآثار السياسية التي عدت رمز التقديس في ألمانيا الجديدة لأنها ترتبط أشد الارتباط بتاريخ (الزعيم) وتاريخ الحركة الاشتراكية الوطنية. فأما (البيت لأسمر) فقد كان من قبل مقهى يجتمع فيه الزعيم وصحبه في بداية الحركة، وفيه وضع هتلر نواة حزبه، وفيه أطلق ذات يوم في الهواء رصاصة من مسدسه إيذاناً ببدء الكفاح والسير إلى الظفر؛ وكان ذلك منذ نحو عشرة أعوام، وهتلر وصحبه جماعة مغمورة لا يكاد يشعر بوجودها أحد. فهذا المقهى القديم يغدو اليوم أثراً يحج إليه، ويحرسه الجند شاهري السلاح. وعلى مقربة من البيت الأسمر يقوم هيكلان متقابلان عليهما مظاهر البساطة والروعة معاً، قد صفت في فناء كل منها ثمانية توابيت متقابلة تحوي رفات أولئك الذين سقطوا من أعضاء الحزب الوطني الاشتراكي في المعارك والمحاولات الأولى؛ وقد كتب على كل تابوت منها: (الإنذار الأخير) ثم اسم صاحب الرفات؛ وإن منظر هذه التوابيت المصفوفة في العراء لما يبعث الخشوع والروعة معاً؛ ولقد رأيت الجموع تدنو منها كما تدنوا من الحرم المقدس، وتلقي التحية النازية ببسط الذراع، والوجوه خاشعة، والرؤوس محنية، والصمت العميق يسود المكان: تلك هي مظاهر القوة السياسية الظافرة يسبغها الظافر على ذكريات ما كانت لتكون شيئاً لولا أن توجها الظفر الباهر.

وعلى مقربة من الهياكل أقيمت دار جديدة ضخمة تسمى بدار الزعيم، لتكون مقراً لإدارة الحزب الاشتراكي واجتماعاته.

فأما عن الحياة الاجتماعية في منشن فيمكن أن يقال إنها صورة حقيقية للحياة الاجتماعية

<<  <  ج:
ص:  >  >>