ارتدت هذه الرعاية الكريمة للمرأة تحقيراً وسخرية حين فسد المجتمع، فلم يستحي الشعراء أن يطلقوا فيها ألسنتهم، فمن قائل:
عسر النساء إلى مياسرة ... والشيء يسهل بعد ما جمحا
وقائل:
ومن خبر الغواني فالغواني ... ضياء في بواطنه ظلام
وقائل:
وإن حلفت لا يخلف النأي عهدها ... فليس لمخضوب البنان يمين
وهو هجاء للجنس اللطيف استمرأه ساقطو الهمة من الشعراء وتنزه عنه الأدب الإنجليزي، فاقتصر على النسيب الرقيق والمداعبة الرفيقة والدراسة العلمية البريئة لشتى الطبائع والشخصيات النسوية.
والنسيب هو مجال ظهور المرأة الأول في الشعر، وفيه أي دليل على رقي المجتمع ومكانة المرأة فيه. وفي الأدبين العربي والإنجليزي نسيب على غاية من السمو والنقاء؛ وأكثر ما كن ذلك في الأدب العربي في عهد ارتقاء مكانة النساء الاجتماعية، هناك كان شعر النسيب في جملته عفيف اللفظ نقي الإشارة صادق العاطفة على خشونة وسذاجة في بعضه، فلما كان عصر الترف والفساد هوى النسيب إلى حضيض الشهوات وداخله التكلف في الشعور وفي اللفظ، وخالطه من الفحش والنسيب بالمذكر ما تنزه عنه الشعر الإنجليزي.
ففيما عدا فترة الفساد الخلقي الوجيزة في التاريخ الإنجليزي التي تقدم ذكرها، يمتاز النسيب الإنجليزي بسمو العاطفة وطهارة اللفظ والترفع عن ذكر الشهوات والتسامي عن الأوصاف الجسيمة التي تشغل حيزاً غير ضئيل من النسيب العربي، فالشاعر الإنجليزي يعد جمال محبوبته أمراً مفروغاً منه، فإن أشار إشارة عاجلة إلى محاسنها فإلى نقاء بشرتها أو لمعة شعرها، وإن عمد إلى التشبيه فإنما يشبه عينيها بالسماء صفاء أو صدرها بالدير نقاء وبعداً عن منال الرجال، إلى غير ذلك مما هو أدخل في الأوصاف النفسية وأدل على السمو الروحي.