الافتراضات، نبقى دائما أمام حقيقة لا ريب فيها وهي أن الإنسان سواء أكان رجلاً أو امرأة مدفوع بالفطرة إلى طلب الرقي لنسله بإصلاح ما أفسدت الحياة في أعضائه، وبخاصة إلى إصلاح ما تطرق إلى الصفات الأدبية من عيوب؛ ولعلّ في هذا بعض التفسير لسيادة الانسجام بين رجل وامرأة تخالف أشكالهما وأوضاع أعضائهما ومظاهر القوى الأدبية فيهما، فقد لا تجد مصارعاً يعشق مصارعة ولا فيلسوفاً يغرم بفيلسوفة. ولكم وقف المفكرون مندهشين أمام امرأة فاضلة تحس بانجذاب نحو رجل عاديّ، أو بارعة في الجمال تندفع إلى الالتصاق برجل دميم. إن بعض العشق ينشأ عن حنان خفي في الطبيعة يشبه عطف الطبيب المداوي على العليل المستجدي الشفاء.
نورد هذه النظرية دون أن نتخذها قاعدة بالرغم من تجليها لدينا في عديد الحوادث، فإن النقائص التي تتجه في الازدواج إلى الزوال والعلل التي تطلب الشفاء أبعد مستقراً من أن ينالها استقراء أو تحديد، والضعف الكامن في أحد الناس يبقى مستتراً فيه خفياً حتى عن شعوره، فكيف يتسنى لنا كشفه وتعيينه؟ لذلك ورد في الأمثال وهي حكمة الأمم: أن لا جدال في الذوق، وما أرى المتنبي إلا سابراً أقصى أسرار الحب إذ قال:
إلام طواعية العاذل ... ولا رأي في الحب للعاقل
يراد من القلب نسيانكم ... وتأبى الطباع على الناقل
للحب إذن وهو صلح العيوب والدافع إلى ارتقاء الإنسان ناموسه الجبار، ناموسه الصامت الهامس في أرواح المحبين كلمتين هما دستور السعادة لكل منهما - كلمة العبرة من الماضي للرجل، وكلمة الحذر من المستقبل للمرأة.
يقول الفتى للفتاة: أحبك.
فلا يرد جوابها إلا بصورة الاستفهام:
وهل ستحبني إلى الأبد؟
فالرجل لا يتوجه إلى المستقبل بقلبه بل يلتفت إلى الوراء، إلى الماضي، وهو يقسم بالوفاء والثبات، ماداً بأبصاره إلى أعماق عيني الفتاة سابراً أقصاهما ليتحقق ما إذا كان هذا الهيكل الأبدي الذي يتخذه مقاماً ومصلى لروحه، لم يرتفع فيه صوت غير صوته لم يحرق عليه بخور غير بخوره.